ما هي أسباب نصر وهزيمة المسلمين
كتبت المقال التالي تعليقًا على مقال لأحد الإخوة، يبرز دور القيادة والأسباب المادية في النصر وينتقد التعويل على أعمال البر والطاعات والدعاء فقط لتحصيل النصر، وهو بوست طويل جدًا لا يمكنني إعادته هنا، وحفل بأمثلة تاريخية من الفتوحات وحروب الردة.. فإلى نص تعليقي عليه..
كتبت المقال التالي تعليقًا على مقال لأحد الإخوة، يبرز دور القيادة والأسباب المادية في النصر وينتقد التعويل على أعمال البر والطاعات والدعاء فقط لتحصيل النصر، وهو بوست طويل جدًا لا يمكنني إعادته هنا، وحفل بأمثلة تاريخية من الفتوحات وحروب الردة.. فإلى نص تعليقي عليه..
أنا كتبت كثيرًا من قبل عن أن الأخذ بالأسباب الدنيوية هو سنة الله القدرية بشأن حركة التاريخ، فبها النصر أو الهزيمة بحسب مقاييس الواقع الذي نعيشه، وانتقدت ما أسميته بالدراسة الملحمية للتاريخ الإسلامي التي تجعل النصر رهين الدعاء وإخلاص القلب فقط، ولا تلقي الضوء على أسباب النصر المادية العملية الواقعية في تاريخنا -أخر مقال لي عن هذا هنا-، ولكن رغم هذا كله فإنني أخالف الكاتب في مقاله هذا في أمرين:
الأول: أنه أناط النصر بالقائد في جزء كبير من مقاله، رغم أن الدراسة الدقيقة في حالة خالد بن الوليد الذي ذكره وغيره تقول أن النصر كان بسبب إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، وهي ما استخدمها خالد دائمًا منذ كان كافرًا (في غزوة أحد ضد المسلمين) واستخدمها أغلب قادة الفتوحات الإسلامية بسبب أنها الأنسب لقلة عدد جيوش المسلمين، وضعف أو قلة معداتهم، كما أن نجاح محمد الفاتح في فتح القسطنطينية -الذي استدل به على فيصلية القيادة في تحقيق النصر- لم يكن لبراعة القيادة بقدر ما كان لتحصيله لتقدم تكنولوجي غير مسبوق وغير موجود عند أحد آخر في عصره في مجال المدفعية..
وإحراز النصر بسبب سبق صناعي في مجال السلاح متكرر في حروب كبرى كثيرة (مثلما نجح ليو الأسيوري في صد هجوم بحري خطير للمسلمين كاد يفتح القسطنطينية قبل محمد الفاتح بمئات السنين بسبب اختراع النار الإغريقية) والشاهد أنني لا أحب اختزال الأمر في القائد كشخصية ستحل مشاكلنا وإن كنت لا أنكر أهميتها في مجال الأخذ بالأسباب، ولكن ينبغي التعمق في فهم تفاصيل أسباب النصر الواقعية العملية المادية كي نعيد النسج على منوالها ونطور ونبتكر منطلقين من خبراتها..
أما خلافي الثاني مع المقال فهو: تقليله من تأثر سيئات الشهوات السلبي على تحصيل النصر، فأنا أرى أن لها تأثير ليس بدليل ذكر آيات الربا قريبة من آيات أسباب هزيمة أحد في آل عمران فقط، ولا لمقولة عمر بن الخطاب: "لو استويتم مع عدوكم في الذنوب لغلبوكم، لأنهم أكثر منكم عددًا وعدة"، ولكن أيضًا لأن الكفار لهم نسق سلوكي وأخلاقي متعايش مع الشهوات وذنوبها فيقل تأثيرها السلبي على مجال أسبابهم الدنيوية للنصر.. بعكس المسلمين فنسقهم السلوكي والأخلاقي غير متوافق مع الشهوات وذنوبها..
فإذا انغمسوا فيها اضطربت منظومتهم السلوكية والأخلاقية بقدر الانغماس هذا فيضطرب انتفاعهم بالأسباب المادية للنصر، وعلى كل حال فالله ربط النصر والتمكين بالاستقامة الإيمانية بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41]، فيكون الأدق أن نقول أن كلاهما مهم السبب المادي والسبب الإيماني والأخلاقي ولكن أن نقص أحدهما كان هناك خلل.
- التصنيف: