عقيدة أهل السنة في الصفات وموافقة المنقول والمعقول
وهذا إبراهيم - عليه السلام - إمام الحنفاء يقول لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (مريم:42)، فهؤلاء المعطلة يجعلون لآزر حجة على إبراهيم الخليل، فيمكنه أن يقول له: وأنت أيضاً تعبد ما لا يسمع ولا يبصر.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: أهل السنة والجماعة يثبتون لله - تعالى - ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إثباتاً بلا تشبيه، وينزهون الله - تعالى - عن مشابهة المخلوقين، تنزيهاً بلا تعطيل.
وموافقة هذه العقيدة للمنقول؛ أن الله - تعالى - أثبت لنفسه صفات، وأثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - له صفات، وظاهر الكتاب والسنة يجب القول به، والوقوف معه؛ حتى يدل الدليل على أن الظاهر غير مراد.
فالله - تعالى - أثبت لنفسه صفة السمع والبصر، والحياة والقيومية، والوجه والنفس، واليدان وغير ذلك مما نطق به الكتاب العزيز، أو أثبته له النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرد دليل أو أثارةٌ من علم على أن الظاهر غير مراد، وكأن الذين ينفون الصفات بدعوى التنزيه أعلم بالله - تعالى - من الله - تعالى -، فيقال لهم: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140].
هل هم أعلم بالله - تعالى - من الله - تعالى -، أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟
ويستحيل أن يكون ظاهر آيات وأحاديث الصفات غير مراد، ويترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمة دون أن يبين أن ظاهر الآيات والأحاديث في الصفات غير مراد.
أما موافقة هذه العقيدة للمعقول: فيستحيل أن يكون المخلوق أكمل من الخالق - تعالى -، فالإنسان يتصف بصفة السمع والبصر، وإن كان السمع محدوداً والبصر محدوداً فكيف يليق بالله - تعالى - سلب هذه الصفات عنه بدعوى التنزيه، فيكون المخلوق الضعيف أكمل من الخلق - تعالى - من هذه الحيثية، والذين نفوا عن الله - تعالى - صفة السمع والبصر والحياة خشية الوقوع في تشبيه الله - عز وجل - بالإنسان الحي السميع البصير؛ وقعوا في تشبيه الله - تعالى - بالجمادات الخسيسة التي لا تسمع ولا تبصر، بل ليست فيها حياة بالكلية.
كما أن الذين نفوا عن الله - تعالى - استواءه على عرشه، وفوقيته بدعوى التنزيه، وقالوا بأن الله - تعالى - في كل مكان؛ وقعوا في دعوى وجود الله - تعالى - في دورات المياه، وأجواف الحيوانات، وهكذا كل من هرب من مقتضى الكتاب والسنة يقع فيما هرب منه، والله - تعالى - يعيب الآلهة الباطلة، ويبين عجزها، وعدم استحقاقها للعبادة فيقول - تعالى -: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر:14).
وهذا إبراهيم - عليه السلام - إمام الحنفاء يقول لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (مريم:42)، فهؤلاء المعطلة يجعلون لآزر حجة على إبراهيم الخليل، فيمكنه أن يقول له: وأنت أيضاً تعبد ما لا يسمع ولا يبصر.
فالمعقول أن نثبت لله هذه الصفات على أكمل وجه يليق بالله - تعالى -: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع} (الكهف:26).
فالإنسان له سمع محدود على بُعد معين، وذبذبات معينة، وله بصر محدود في أبعاد محدودة، وبأحجام معينة، وبشروط معينة؛ كتوفر الضوء مثلاً، والله - تعالى - يقول: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} (الرعد:10)، فالمعقول أن نثبت لله - تعالى - هذه الصفات التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونعتقد أنها كما تليق بجلال الله - تعالى - وعظمته كما قال - تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى:11)، فجمعت عقيدة أهل السنة والجماعة في الصفات بين موافقة المعقول والمنقول.
- التصنيف:
- المصدر: