رسالة الإسلام

منذ 2015-04-09

الشريعة الإسلامية لم يشرعها الله لعباده لكى يقوموا بفعل ما يهوونه ويتركوا ما يكرهونه أو أن يذروا تعاليمها ويعطلوا أحكامها إنما أنزلها الله لنأتمر بما أمرنا الله فيها وننتهي عما نهانا الله عنه.

خلق الله عالم البشرية من نفس واحدة هي: سيدنا آدم -عليه السلام- خلقها الله من التراب والطين ومن الصلصال والحمأ المسنون.

ومن هذه النفس خلق الله: أمنا حواء، فأصبح هناك ذكراً وأنثى.

وبسكنى كل منهما إلى الآخر نشأت المودة والرحمة، ثم أتت الرغبة، ومن الرغبة نزل الماء الدافق من بين الصلب والترائب، وباختلاط الماءين ماء الرجل وماء المرأة نتج الحمل فحملته الأنثى في رحمها وتحملت ثِقله بأمر ربها ووضعته فجاء التناسل ومن التناسل جاء التزاوج، ومن التزاوج جاءت الذرية والسلالة فكان عالم البشر أجمعين.

يقول رب العالمين: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ).

فالنشأة الأولى لسيدنا آدم خلقها الله من التراب والطين.

ونشأتنا نحن جاءت بالتناسل من الماء المهين. يقول جل شأنه: (وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ).

والماء المهين هو الماء الذي يُمنى وبالتلقيح بين الذكر والأنثى يحدث الإخصاب فيجعل الله منه نطفة توضع في قرارٍ مكين ومن هذه النطفة يخلق الله علقة تخلو من أي أعضاء أو أجزاء ومن العلقة يخلق الله مُضغة ومن المضغة يخلق عظاماً ويكسوها الله لحماً ويصورنا الله في الأرحام كيف يشاء فتبارك الله أحسن الخالقين.

وأشهدنا الله على أنفسنا ونحن في أصلاب آبائنا وأرحام أمهاتنا بأنه هو الله لا إله إلا هو ربٌ لكل العالمين فكانت تلك الشهادة هي فطرتنا التي فطرنا الله عليها وفطر كل الخلق والبشر أجمعين.

يقول جل ذكره: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ).

ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه)).

وجعلنا الله خلائف في الأرض يخلف بعضنا بعضاً نستخلف فيها من كان قبلنا ويستخلفنا من يأتي بعدنا.

وعلى مر العصور والدهور أرسل الله إلى البشرية أنبياء ومرسلين اصطفاهم الله واختارهم من بين أقوامهم وبعثهم إليهم يدعونهم إلى عبادة الله ويحذرونهم أن يتخذوا مع الله إله.

يقول -عز وجل- لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).

كانوا ينذرون أقوامهم بالوحدانية لله ويذكّرونهم بشهادتهم بأن لا إله إلا الله ويبشرونهم بأن الله أعد للمؤمنين جنة وثواباً وللكافرين ناراً وعقاباً، حتى لا يأتون في يوم الدين ولهم حجة أمام الله.

يقول العزيز الحكيم: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) من الأقوام من كانت لهم عقول يعقلون بها وقلوب يفقهون بها آمنوا بالله ووحدانيته وصدّقوا بأنبيائهم ورسلهم. ومنهم من آثروا الكفر والشرك على التوحيد والإيمان فأهلكهم الله بنقمته وصبّ عليهم غضبه ولعنته. ومنهم من قست قلوبهم بعد إيمانهم فلم يعاجلهم الله بعذابه وعقابه وأمهلهم إلى يوم القيامة علّهم يؤوبوا إلى رشدهم ويفقهوا بعقولهم فيتوبوا ويستغفروا ربهم.

وما من زمن من الأزمان أو عصر من العصور إلا وأرسل الله فيه نبي أو رسول، منهم من قصّهم الله علينا في كتابه، ومنهم من لم يقصصهم الله ولم يخبر بهم نبينا ومصطفاه -صلى الله عليه وسلم-، يقول -عز وجل-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ).

من قصّهم الله علينا في كتابه ومحكم آياته هم: "سيدنا آدم، سيدنا موسى، سيدنا عيسى، سيدنا سليمان، سيدنا إبراهيم، سيدنا إسماعيل، سيدنا يعقوب، سيدنا إسحق، السادة الأسباط، سيدنا هارون، سيدنا داود، سيدنا نوح، سيدنا زكريا، سيدنا أيوب، سيدنا يونس، سيدنا يوسف، سيدنا يحيى، سيدنا إلياس، سيدنا إليسع، سيدنا لوط، سيدنا هود، سيدنا صالح، سيدنا شعيب، سيدنا إدريس، سيدنا ذا الكفل" عليهم جميعا أفضل صلاة وأزكى سلام وتسليم.

اختص الله كلاً منهم بآية ومعجزة فأيّده وخصّه بها لتكون دلالة له على صدق نبوته ويقين دعوته "مثلما خصّ الله سيدنا موسى بالعصا واليد، وسيدنا عيسى بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، ومثلما جعل الله النار برداً وسلاماً على سيدنا إبراهيم، وأرسل الناقة إلى قوم سيدنا صالح، ونجى الله سيدنا يونس من بطن الحوت، وأخرج سيدنا يوسف من البئر وبعد أن كان سجيناً صار عزيزاً لمصر ومتولياً لخزائنها، وألان الله الحديد لسيدنا داود فكان طرياً ندياً بين يديه، وسخر الريح والجان والشيطان لسيدنا سليمان وعلمه منطق الطير والحيوان".

هذه الآيات والمعجزات كانت تنتهي بانتهاء رسالة كل نبي أو رسول إلا آية ومعجزة واحدة قضى الله لها أن تظل محفوظة وخالدة إلى يوم الدين، وهى: كتاب الله الكريم، وقرآنه الحكيم؛ لأنها ستظل هي البشير والنذير لكل إنسان أو جان في أي زمان أو مكان بدينٍ قضى الله له أن يكون هو آخر الأديان وهو دين الإسلام، يقول رب العالمين: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

حفظ الله هذا الكتاب من أن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن أن لا يعتريه تحريفٌ أو تغيير أو تبديل ومن ألا يدخل فيه كذِبٌ أو كتمان؛ فقال -عز وجل-: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً).

أنزله الله على آخر نبي وآخر رسول سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فأيّده وخصّه به ليكون نذيراً له ولقومه ولكل من يأتي من بعده من أي شعب من الشعوب أو قوم من الأقوام أو أمة من الأمم. "قوم رسول الله وأمته هم: كل من خلقهم الله وكل من وُلد أو يُولد في هذه الحياة منذ أن بعثه الله بهذه الرسالة وحتى يوم القيامة".

اقترنت هذه الآية والمعجزة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في محياه ودامت للبشرية بعد انتقاله إلى مثواه، جعل الله هذا الكتاب مهيمناً على كل ما سبقه من كتاب "الصحف أو الألواح أو التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غير ذلك من الكتب السماوية".

وأنزله مصدقاً لما نزل من قبل على جميع الرسل والأنبياء، يقول -عز وجل-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً).

فإذا ما وصل الإنسان "أي إنسان" في أي دولة من الدول أو في أي بلد من البلدان إلى سن التكليف وهو البلوغ للصبي والمحيض للأنثى وكان عاقلاً حراً مختاراً بلغه هذا الدين فهو مأمور بالإيمان ومكلف باتباع دين الإسلام، يقول -سبحانه وتعالى-: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

الإسلام هو شريعة الله ودينه الذي ارتضاه لعباده وعبيده وأمرهم باتباعه للفوز بجنته والنجاة من عذابه وعقابه، يقول جل شأنه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً).

رسالة الإسلام ليست رسالة خاصة بشعبٍ دون شعب ولا بعصر دون عصر، بل هي رسالة عامة وخالدة موجهة إلى الناس أجمعين، يقول رب العالمين: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً). فلا يحسبنّ أي إنسان في أي زمان أو مكان أن الله قد خلقه عبثاً في هذه الحياة لا يؤمر ولا ينهى يمرح ويرتع في ملك الله يبلغه القرآن وذكر نبي الله -عليه الصلاة والسلام- ويكفر أو يشرك بدين الله ويحسب أو يظن أنه ناجٍ من عذاب الله: (أَفَحَسِبْتمْ أَنمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً).

ولا يحسبن من أطلقوا لبغيهم العنان وقالوا عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ما قالوا دون علم أو سلطان لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً ويعيثون في الأرض فساداً أنهم لن يحاسبوا أو يعاقبوا ويلقواْ جزاءهم: (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) ولا يحسبن من هاموا يحاربون ما أنزل الله ينفقون أموالهم للصد عن دين الله يبغون الفساد في الأرض ويقترفون الظلم والقتل والبغي بأن الله غافل عنهم سوف يزيدهم الله عذاباً على عذابهم وعقاباً فوق العقاب المعد لهم: (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ).

لولا كلمة من الله سبقت بإمهالهم وتأخير العذاب عنهم إلى يوم الدين لعاجلهم الله بعذابه ولأخذهم الله بسخطه وعقابه أخْذَ عزيز مقتدر.

"هذا الإمهال قضاه الله لكل أمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين والكفار والمشركين ومن اليهود والنصارى والمجوس والصابئين منذ نزول الرسالة وحتى يوم الدين".

يقول -تبارك وتعالى-: (وَيَسْتعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ).

لقد استنسخ الله أقوال العباد وأفعالهم وأحصى أعمالهم ولسوف يجازى كل إنسان أو جان عما فعل واحتقب، وسيحاسب عن كل ما كسب في هذه الدنيا وما اكتسب.

أمر الله نبيه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقوم ببلاغ هذا الدين إلى كافة الخلق وكل العالمين، فقال جل ذكره: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

فصدع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما أمره الله به وأدى الأمانة التي حملها وبلّغ الرسالة التي أرسله الله بها ولم يجعل في الجزيرة العربية للكفر أثراً من حوله إلا طمسه ومحاه ولا كفراً أو شركاً إلا أزاله ولا حجة باطلة إلا كشفها ودحضها ولا محجة كاذبة إلا حطها ووضعها.

انتقل نبي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته ومثواه، وورث المسلمون الرسالة.

عهِد الله إليهم وخصّ طائفة منهم أن يقوموا ببلاغها وأدائها كما بلّغها وأداها النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

كلفهم أن يتعلموا ويتفقهوا في الدين لكى ينذروا الأمم والشعوب والأقوام في شتى البلاد والأقطار ومختلف البلدان، يقول -تبارك وتعالى-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

أوكل الله إليهم أن ينذروا بها الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين فهؤلاء قد انحرفوا بفطرتهم عن مجراها والتبست عليهم معالم الحق والْتوت بهم سبل النجاة.

إنهم في شتى بلادهم ومختلف بلدانهم قد يكونوا غافلين أو حيارى تائهين يجهلون أن الله أمرهم بالإيمان أو لا يعلموا ولا يدركوا أنهم مخاطبون بدين الإسلام.

أمرهم الله أن يسلكوا لهم الحجة والمحجة للعدول بهم من الضلال والطغيان إلى عبادة العزيز الرحمان ليننتشلوهم مما غرقوا فيه من الجهالة وينقذونهم مما قبعوا وانغمسوا فيه علّهم يتذكرون فطرتهم وبأنهم عبيد لله، ولم يكلف الله هذه الطائفة إلا بالبلاغ، بلاغ الرسالة كما كلف بها رسولنا الكريم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ). (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ).

فمن أبى واستكبر منهم فلسنا بوكلاءٍ عنهم ولا أي منا بحفيظٍ عليهم.

من شاء منهم أن يؤمن فليؤمن ومن شاء منهم أن يكفر فليكفر، يقول جل شأنه: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).

إن وفّت هذه الطائفة ووفّى المسلمون بعهد الله إليهم وصانوا الأمانة وبلغوا الدعوة وكانوا خلفاء على الرسالة أمناء على بثها وإظهار نورها وإصلاح شأن العالم بها كانوا جديرين بنصر الله وتأييده.

وإن فقدوا يقينهم بدينهم وضعفت حرارة إيمانهم وانطفأت جذوتها من قلوبهم وأقبلوا على الدنيا ومتاعها وآرَوْها على الله ورسوله وجهاد فى سبيله استحقوا الضياع والسقوط. فتلك هي سنة الله في خلقه، يقول -سبحانه وتعالى-: (فَمَن نكَثَ فَإِنمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ).

بل وأصبحوا كما وصفهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه كثرةٌ كغُثاءِ السيل وضع الله في قلوبهم الوَهَن ونزع هيبتهم من قلوب أعدائهم وآلت ما آلت إليه أحوالهم فليتربصوا حتى يأتي الله بأمره.

لقد شرع الله دينه شرعاً لا يُنسخ وعقده عقداً لا يفسخ وجعله حقاً لا يدحض وقضى له بعز المرافقين وذل الكفار والمعاندين.

إن نصرناه فالنصر حليفنا، وإن تخاذلنا عنه فالتخاذل علينا، والويل لنا، وسيظل ظاهراً بنا، أو بغيرنا جبراً وقسراً وكَرهاً عنهم وعنا، وعن كل العالمين.

السابقون الأولون من الصحابة والتابعين -رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين- شَرَواْ أنفسهم وأموالهم لله في سبيلها فأراهم الله آيته الكبرى في نصرهم على قلتهم ودخل الناس أفواجاً في ملتهم وتساقطت الدول والحضارات أمام دولتهم وحضارتهم لأنهم كانوا صادقين في إيمانهم نازلين على أمر ربّهم دعاة عمليين لدينهم تسبقهم شهرتهم وتتقدمهم في الأمم هيبتهم وتتفتح القلوب لدعوتهم قبل أن تتفتح الحصون والبلاد أمام قوتهم وبسالتهم: تولى سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه خلافة المسلمين وسار على نهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده سيدنا عمر بن الخطاب ثم سيدنا عثمان بن عفان ثم سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين.

ومن بعدهم تولى الخلافة خلفاء من بنى أمية ومن بنى العباس ثم من العثمانيين.

كانوا نجوماً زاهرة وبحوراً زاخرة وأركاناً للملة ودعائم للشريعة حريصين على حفظ الدين ورد شبهات الزائغين.

نشروا الدين في كل مكان وقاتلوا الكفار وفتحوا الأقطار والأمصار وقضوا على أقوى وأعتى الإمبراطوريات الفارسية والرومانية والتي كانتا يفرضان نفوذها ويهيمنان على كافة أنحاء وأرجاء الكرة الأرضية.

ذلت لهم الرقاب ودانت لهم البلاد وهوت أمامهم الأباطرة والقياصرة وخضعت لهم الملوك والأمراء والأكاسرة.

كانوا قدوة للأنام وأسوة للإسلام، تركوا لنا الشموخ والحضارة والعزة والقوة والهيبة والسلطان.

أمام شموخ الإسلام وهيبة وعزة هذا السلطان عجز أعداء الدين عن الحجة والدليل والبرهان وعجزوا عن القتال فما كان منهم إلا أن تسربل بعضهم وارتدوا جلباب الإسلام للنيل من هذا الدين وبث الشر والفُرقة بين المسلمين.

كان منهم زنادقة ووضّاعين ألبسوا الحق بالباطل والصحيح بالضعيف فِتنهم كانت مفرقة وبِدَعهم متقابلة متناقضة.

في التوحيد أثبتوا الصفات لله -سبحانه وتعالى- للتشبيه والتجسيد ونفوا الصفات عنه جل شأنه للنفي والتعطيل.

وضعوا روايات كاذبة ودسوا أحاديث ملفقة وباطلة. قالوا أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ولا تنفع مع الكفر طاعة وأن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وذلك للتثبيط عن الطاعة والعمل فيما كلفنا الله به من أوامر وما نهانا الله عنه من زواجر.

ساووا بين طاعة أولى الأمر وبين طاعة الله ورسوله وجعلوها في مصاف واحد ودرجة واحدة بل وأوجبوها وفرضوها على الرعية دون قيد أو شرط ودون ضابط أو رابط وهى ليست كذلك.

قالوا بأن الجهاد في سبيل الله في هذا الزمان يعد تكليفاً لما لا يطاق فلا يفتح بابه ولا ترفع رايته ليتنكب المسلمون عن الجهاد وينشغلوا بفتنة الدنيا وبالأهل والمال والولد.

صوروا بافتراءاتهم أراجيف وأكاذيب عن الخلق وأسرار الكون وعن أصل الإنسان والوجود.

قاموا بتزييف الحقائق التاريخية وابتدعوا وزوّروا في كتب السيرة والمغازي والملاحم وأخبار الأمم الماضية.

بثوا عن خلفاء المسلمين المثالب والمعايب واختلقوا الأكاذيب والأضاليل من قتل بعضهم البعض ومن تفشى المجون وشرب الخمور وسمل العيون ودس السموم، وغير ذلك كثير وكثير.

نسبوا ما لفّقوه ووضعوه إلى أفاضل الأئمة والعلماء وهم منها بَراء حتى إذا ما وقع المرء على رأى لهم فإنه يقوم باعتماده ويورده في كتاباته ويجيء مَن بعده وينقله على اعتبار أن له أصلاً بقائله.

نسبوا ما لفّقوه ووضعوه إليهم لكى نقوم بتصديقه ظلماً وزورا وتسفيه رأى من يقول بغيره ولكى يردده من لا عقل له ولا بصيرة.

يقول الشيخ أحمد نور في كتابه " العصمة والرسل والورثة هم النذر": "... لقد وضع المنافقون والأفاقون والمستشرقون في أمهات الكتب الإسلامية الدسائس والأباطيل بقصد تنحية المسلمين عن العقائد الصحيحة فشحنوا كتب التراث الإسلامي بالخرافات والترهات ونسبوها إليهم وهم منها برَاءْ حتى يستغلوا ثقة المسلمين في هؤلاء الطبقة من العلماء لتثبيت أباطيلهم ودسائسهم في الأذهان ولكى تقف حجر عثرة في طريق من حاول أن يبين للناس الحق من الباطل والغثّ من الثمين إذ لا يجرؤ الناس على تصديقه وتكذيب ما لديهم من أمهات الكتب المنسوبة إلى أفاضل الأئمة والعلماء فيسقطوا بذلك الثقة ويُمرِضوا قلوب المسلمين...".

ويقول العلامة ابن خلدون في مقدمته: "المؤرخون في الإسلام درسوا العلوم وجمعوها وفى صفحات كتبهم سطروها وأودعوها فخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل ابتدعوها وبزخارف من الروايات لفقوها واقتفى تلك الآثار الكثير من بعدهم فاتبعوها وأدوها إلينا ولم يرفضوا الترهات والأباطيل أو يدفعوها فالتحقيق قليل والتنقيح كليل ومرعى الجهل وخيم وبيل...".

ومنهم مَن دخلوا البلدان يدّعون أنهم شيعة وأنصار رسول الله يتظاهرون بحب نبي الله - عليه الصلاة والسلام - وحب آل بيته الكرام. عمدوا إلى التفسيرات المضللة وبث السموم الناقعة ونفثوا أضغانهم وأحقادهم للإساءة إلى العقيدة السليمة للإسلام ولكى يفتّوا في عضد المسلمين ويفرّقوا فيما بينهم.

أطلقوا على أنفسهم اسم " التوابين " وحملوا لواء تقصيرهم لسيدنا الحسين رضى الله عنه وأنهم كانوا سبباً في مقتله وأن التوبة والتكفير عن هذا الخذلان والتقصير لن يكون إلا ببذل النفس والمال للأخذ بثأره ومقاتلة من قتله.

عمدوا إلى دس الأحاديث وحبكوا الأباطيل والأكاذيب وقاموا ببثها ونشرها بين العامة والضعفاء وبين من كان له حداثة في الدين.

وجلبوا من يساندهم في ذلك ويعضدهم ويقوى شوكتهم.

في بادئ الأمر ذموا البعض من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم أخرجوهم بإفكهم وكذبهم وأباطيل أقوالهم من الحق إلى الهوى ونأوا بمقاصدهم من الدين إلى الدنيا. ازداد نقيع سمومهم ووصل الأمر بهم إلى أن عقدوا العزم في كذبهم وافترائهم من التبرأ من بعضهم.

ومِن مَن مِن: صاحبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضى الله عنهما. ثم توالى التبرأ من آخرين. كانت أقوالهم فيها الموت الأحمر والداء الأكبر.

دون فكر أو وعى أو بصيرة سلك سبيلهم من ساروا على دربهم ونهجوا نهجهم فتمسكوا بأهوائهم وآرائهم. ودون تحقيق أو تمحيص اتبع البعض إفكهم وآمنوا بما ألفواْ عليه من كان قبلهم فانزلقوا في غيهم وزلوا وضلوا وأضلوا من جاء بعدهم.

تم نقل تلك الإفتراءات والمغالطات دون بحث أو دراسة وتم تناقلها فيما بينهم فاقترفوا بذلك ذنباً عظيماً وإثماً وحوباً كبيرا.. بهذا: تفرقت الأمة إلى شيعة و سنة.

"حماقات وجهالات رحل واضعوها من غابر السنين وبقيت بلاء وابتلاء على الإسلام والمسلمين".

وهناك من كانوا مارقين منافقين أفاقين يهدفون إلى هدم أسس وأصول وتعاليم الدين هوّنوا المحرمات وطوّعوا الموبقات وابتدعوا وأدخلوا في دين الله ما لم يشرعه الله وما ليس فيه.

ومن أورثهم الله ميراث أهل نبوته لبلاغ رسالته والقيام بحجته والإخبار بشريعته فرّطوا في الميراث الذي أورثه الله لهم.

والدعاة وأئمة الدين منهم من قالوا بما لا يفقهون وأفتوا بما لا يعلمون ويزعمون أنهم لدين الله ينتصرون يدافعون عن فقه عقولهم وأخطاء آرائهم وزيغ أهوائهم ويبررون ما قالوا به وما ابتدعوه وما أفسدوا به الدين وما به يفسدوه.

ومنهم من أغفلوا كمال الرسالة ولم يظهروا المنهج الشامل الذي أنزله الله وغضوا الطرف عن التعاليم والأحكام التي وردت في كتاب الله وسنّها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مثل فرض القتال ووجوب الجهاد في سبيل الله وكحرمة اتخاذ اليهود والنصارى أولياء للمؤمنين وغير ذلك من التعاليم والأحكام".

يقول العزيز الحكيم: (أَفَتؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ).

ومن أراد دفع اعوجاجهم وأقدم على تفنيد وإبطال حججهم اتهموه بالشطط والهوى.

جنوح مثل هذا الفكر الضال وغيره ما هو إلا تدليساً وتلبيساً وكذباً وتزويراً وخداعاً للنفوس المؤمنة بالأماني الكاذبة طمعاً في استقرارها على الباطل.

ربوض فكر هذه الفئات الضالة والمضلة يكاد أن يعصف بالأمة.

لقد رسخت أقوالهم في الصدور وجثمت أخطاؤهم وآراؤهم على العقول حتى تربّى فيها الصغير وهرُم عليها الكبير وأدت إلى عظائم الأمور وكادت أن تترقّى إلى حِل عِصام الإسلام.

صارت مجتمعات المسلمين وكأنها مجتمعات غير مجتمعات الإسلام لما أصابهم من فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر أغشى أبصارهم دأبوا وشبّوا وشابوا عليه.

لم يعد التمسك بمنهج الله لهم أصلاً ولا أساساً ولا الاحتكام إلى شرع الله فيما بينهم يقيناً ولا إيماناً. أصبحوا أظلم للإسلام من غير أهله.

فإن سطى معتدٍ وتعدى مراسم شرع الله وذهب إلى ما يخالف أصوله وتعاليمه وأحكامه التي أنزلها الله في كتابه وسنّها نبيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته أو قام بإرجائها أو تعطيلها أو تأويلها حسب رأيه وهواه فهو من الحمقى المارقين ولا يُؤمَن له أن يكون قد انسلّ من ربقة هذا الدين انسلال الشعرة عن العجين.

وإنِ اتخذ العباد من عقولهم شرعاً وجعلوا منه ردعاً ومنعاً فليعلموا قطعاً أنهم حادوا عن أحكام وتعاليم دين الله وباءوا بغضبٍ وسَخَطٍ من الله؛ لأن شريعة الله لا تُقتضى من رأى الحكماء ولا تُتلقى من استصلاح العقلاء وإلا نكون قد تركنا كتاب الله وما ابْتعِث به سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

في صحيح الترمذي عن العرباض بن سارية قال: وَعَظَنَا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله كَأَنّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إلَيْنَا؟ فقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله، وَإِيّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ، فَإِنّ كُلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكلّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة...".

عندما تولى سيدنا أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- أمور المسلمين، قال: "إنما أنا متبع ولست بمبتدع".

وقال سيدنا عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-: "لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة".

دين الله دين يقيني وقطعي.

لن يعدل أو يطور ولن يبدل أو يغير ولن يضاف عليه أو يحذف منه. لن يكدر صفوه إلا الأعداء والمنافقين وتشدد الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

ولقد ابتلانا الله بمثل هؤلاء وبمن يناقضون الأصول. ويباينون النقول. ويخالفون فِطَر العقول. يقولون هذا عندنا غير جائز.

ومن أنتم حتى يكون لكم عند إن توهم الواهمون أن هناك حكماً شرعياً أنزله الله أو سنّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصعب تطبيقه في أي زمان أو مكان أو يجب إرجاؤه لأي سببٍ كان فكأنهم يقولون بأن الله ليس خبيراً بعباده فكلفهم مالا يتحملون.

وإذا ما ابتغى الحكام أو العباد شرعاً أو دستوراً غير شرع الله أو ابتدعوا وجوهاً وسنوا قوانيناً دون أحكام الله وعلى غير ما أنزل الله فسوف يصيبهم انتكاس وارتكاس.

يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا: كتاب الله وسنتي)).

الشريعة الإسلامية لم يشرعها الله لعباده لكى يقوموا بفعل ما يهوونه ويتركوا ما يكرهونه أو أن يذروا تعاليمها ويعطلوا أحكامها إنما أنزلها الله لنأتمر بما أمرنا الله فيها وننتهي عما نهانا الله عنه.

سعيد شويل

  • 18
  • 4
  • 33,803

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً