لا تخف!
في شدة المحن يرجف القلب.. هذا أمر جبلي.. الخوف على النفس والخوف على الأهل، بل والخوف على الأمة وعلى المقدسات والمبادىء..
في شدة المحن يرجف القلب.. هذا أمر جبلي.
الخوف على النفس والخوف على الأهل، بل والخوف على الأمة وعلى المقدسات والمبادىء..
تأمل هذا الخوف الجبلي الطبيعي الذي اعترى كليم الرحمن سبحانه.. ليظهر المشاعر الإنسانية التي لا دخل للإنسان فيها: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ . قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ . وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ} [طه:67-69].
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير:
"{خِيفَةً}: اسم هيئة من الخوف، أريد به مطلق المصدر وأصله خوفة، فقلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة.
وزيادة {فِي نَفْسِهِ} هنا للإشارة إلى أنها خيفة تفكر لم يظهر أثرها على ملامحه.
وإنما خاف موسى من أن يظهر أمر السحرة فيساوي ما يظهر على يديه من انقلاب عصاه ثعبانًا، لأنه يكون قد ساواهم في عملهم ويكونون قد فاقوه بالكثرة، أو خشي أن يكون الله أراد استدراج السحرة مدة؛ فيملي لهم بظهور غلبهم عليه ومده لما تكون له العاقبة فخشي ذلك، وهذا مقام الخوف، وهو مقام جليل مثله مقام النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر إذ قال: « »".
قال ابن كثير:
"قوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ} أي خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} يعني: عصاه، فإذا هي {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا}، وذلك أنها صارت تنينًا عظيمًا هائلاً ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئًا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانًا جهرة، نهارًا ضحوة، فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ}".
وفي موضع آخر من قصة موسى عليه السلام يتجلى الأمر الإلهي للأخوين الكريمين عليهما السلام: {لا تَخَافَا}، ويأتي التثبيت بأنه سبحانه معهما عندما صرحا بأنهما خائفين..
فاستحضر عظمة الله وقدرته ومعيَّته لك، يهون عليك أمر الظَّالم ولا تخشاه، كما قال النَّبيَّان الكريمان موسى وهارون لربِّهما في شأن فرعون: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى. قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى. فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه:45-47].
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: