زيف حجة التعقيد!
أحمد كمال قاسم
لمعترض على منطق ما يجب ألا يجتزأ أمرًا ويترك آخر في هذا المنطق، فمن يعترض على منطق المؤمنين وهو أن الكون لا بد له من خالق يجب أن يلتزم بتعريف المؤمنين للخالق، وأوليات هذا التعريف هو أن الخالق ليس من طبيعة المخلوق بحال..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
يستند بعض الملحدين ومن أشهرهم عالم الأحياء (ريتشارد دوكينز) في معارضتهم لوجود الله على الحجة الآتية:
- "حسنًا.. تقولون أنه لا يمكن وجود الحياة عبثًا لأنها نظام معقد جدًا وكذلك الكون، ولا بد لهما من مصمم ذكي، لكن أليس بنفس المنطق ينبغي أن يكون هذا المصمم الذكي (الخالق) أكثر تعقيدًا من الحياة والكون، وبالتالي فهو يحتاج من باب أولى إلى خالق؟ فكيف تستبعدون وجود الكون بلا خالق وتوافقون على وجود الخالق بلا خالق؟!".
مناقشة الحُجة:
لو تأملنا الحجة أعلاه لوجدناها تفترض فرضًا ضمنيًا خَفيًا دون أن تثبته وكأنه مسلَّمٌ به، وهذا الفرض هو أن طبيعة الكون من طبيعة الإله وذلك لأنه قاس هذا القياس: "كي تصلح حجة استحالة نشوء الكون ذاتيًا وهي أنه إن كان الكون يستحيل وجوده ذاتيًا لأنه معقد فـ(من باب أولى) الخالق لا يمكن وجوده ذاتيًا دون خالق".
استخدام منطق "من باب أولى" هنا في الاعتراض على حجة المؤمنين هو استخدام خاطئ منطقيًا، لأن أحدًا من المؤمنين لم يقل أن (طبيعة) الله كطبيعة الكون! بل إنه أساس من أسس الإيمان بالخالق هو أنه (ليس كمثله شيء) وعليه فإنه لا يمكن بحال حسب المنطق الإيماني قياس أي أمر متعلق بالله بشيء مناظر متعلق بالكون! حيث أنه لا يوجد تناظر في الأساس بين الإله والكون، لا يوجد تناظر بين الخالق والمخلوق في المنطق الإيماني.
إذًا فالمعترض على منطق ما يجب ألا يجتزأ أمرًا ويترك آخر في هذا المنطق، فمن يعترض على منطق المؤمنين وهو أن الكون لا بد له من خالق يجب أن يلتزم بتعريف المؤمنين للخالق، وأوليات هذا التعريف هو أن الخالق ليس من طبيعة المخلوق بحال..
مناقشة مسلمَّة (ليس كمثله شيء):
ونزيد في المناقشة بعد أن أبطلنا حجة المعارض بأن نناقش مسلمة المؤمنين بأن ليس كمثله شيء.. وذلك بوسيلة الإثبات بالتناقض! افترض أن الإله له خصائص الكون! كيف يكون هذا؟ إن من يكون له خصائص الكون -لا سيما لو كان أكثر تعيقدًا- يعوزه الإيجاد من خالق آخر لأن الكون كذلك، وهذا يتناقض مع تعريف الخالق وهو أنه: "خلق ما سِواه"، وهنا يوجد تناقض يكشف زيف افتراض أن طبيعة الإله من طبيعة الكون، ويثبت العكس وهو أنه ليس كمثله شيء.
هل خلق الإله نفسه؟
سؤال خاطئ منطقيًا لأن الإله بالتعريف الأولي هو خلق من سواه وهو ليس بمخلوق، فلا يصح السؤال منطقيًا من الأساس.
مناقشة حجة تسلسل الخلق والسبب الأول:
كثير من الفلاسفة المسلمين اعتمدوا على برهان السبب الأول في إثبات وجود الخالق، حيث أنهم قالوا أنه لو وُجِد خالق للخالق فسيوجد خالق لخالق الخالق إلى أن ينتهي المطاف بخالق لا خالق له! ومشكلة هذا المنطق في رأيي أنه تنازل عن أهم ما يميز الخالق بالتعريف وهو أنه (ليس كمثله شيء) وأنه (ليس بمخلوق) وأنه (خالق من سواه)، وهذا التنازل قد فتح باب الجدل والتلاعب فضلًا عن الوساوس مع أنه تنازل لا يجوز منطقيًا.
الأمر الآخر بخصوص هذه الحجة أنها حتى لو استخدمناها -على ضعفها- في الرد على مستغليها في حجة التعقيد فإنه من العبث أن نثبت بها بطلان قضية الخالق، لأنه كلما ازداد التعقيد -في تسلسل الخلق المفترض- كان وجود خالق أولى وأولى وذلك بغض النظر عن ما هيته، لذا فمن العبث تمامًا اللجوء لحجة التسلسل في الاعتراض على وجود الخالق.
خطأ شائع في فهم السبب الأول:
وجدير بالذكر هنا أن كثيرًا من الحجج الفلسفية الدائرة في الفكر الفلسفي الإسلامي هو أنه لم يكن إلا العدم ثم خُلِقَ الكون! وهذا التخيل منطوي على إشكالية في تنزيه الله تعالى، ذلك أن الله هو خالق الزمن فلا يصح أن ننسب أفعال الله إلى الزمن.. والنموذج المفهوم حاليًا للزمن الكوني هو أن بداية الزمن هي عند الانفجار العظيم إلا ان الزمن لم يبدأ! بمعنى أنه ليس هناك أي معنى لما هو (قبل بداية الزمن)، وكما قال (ستيفن هاوكنج) في شرح هذا أن هذا كأننا نقول: "ما الذي جنوب القطب الجنوبي".
ماذا عن الستة أيام؟
وهنا يأتي وهم شائع آخر وهي أن الستة أيام هو الزمن الذي (مَرَّ على الله تعالى) لخلق الكون! وفي الحقيقة أن هذا خطأ آخر حيال تنزيه الله تعالى عن احتياج فعله لزمن (احتياج فعله لأحد مخلوقاته وهو الزمن)، أما الستة أيام فأمرها نسبي تمام إذ أن معناها مقيد باعتباره من وجهة نظر الكون نفسه وليس من وجهة نظر الخالق، والمتتبع آي القرآن الكريم يجد الستة أيام هي مراحل لخلق الكون حتى استقر الخلق واتخذت قوانين الطبيعة صورتها الحالية.
ليس كمثله شيء:
وقد شرحت صورة الإخلاص بإعجاز كيف أن الله تعالى لا معنى لأن نقيسه على الخلق، وندعي أنه مركب كالمخلوق، فقال الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، و{أَحَدٌ} هي أبلغ من (واحد) في بيان أن التوحيد يقتضي ألا يكون الله مركبًا كخلقه، بل هو واحد أحد فرد صمد.
وجاء بعدها {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2]، ومعناها أن الله غير مركب كمخلوقاته، بالإضافة أن وجود خلقه يستمد معناه وصلاحيته من وجوده، بينما وجوده هو لا يستمد صلاحيته من أي ما كان لأنه صالح بذاته.
والله أعلم..