من العقبات التي تواجه الدعاة: حب المناصب والظهور

منذ 2015-04-16

مما يتولد من وقوع النصر والظهور، أن يتطلع بعض الدعاة إلى المناصب والصدارة والتقدم والترؤس على غيره.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

مما يتولد من وقوع النصر والظهور، أن يتطلع بعض الدعاة إلى المناصب والصدارة والتقدم والترؤس على غيره، إما رغبة في التحرر من سيطرة وسلطان الآخرين، أو رغبة في تحصيل شرف أو عرض من أعراض الحياة، غافلاً عن تبعات هذه الصدارة والريادة [1]، وقلما يرغب في ذلك من يريد وجه الله تعالى، أو خير الإسلام والمسلمين.

وأصل هذا الحرص في ميزان الإسلام، الذم والنهي عنه، فقد تعددت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في النهي عن طلبها، مثل قوله: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة [2]» [3].

وبعد الفتح ألغى النبي صلى الله عليه وسلم مآثر الجاهلية ومفاخرها، ولم يبق منها إلا سدانة البيت لبني شيبه، وسقاية الحاج لبني هاشم، فأراد بعض قرابة النبي صلى الله عليه وسلم قيل هو العباس وقيل هو علي رضي الله عنهما [4] أن يشرفهم النبي بأن يجمع لهم بين السدانة والسقاية، وقد ملك مفاتيح البيت في يده، فلم يرض بذلك وأعاد المفتاح لعثمان بن طلحة رضي الله عنه برًا ووفاء، وعلَّل فعله بقوله لعلي «أعطيكم ما هو خير لكم منها، السقاية، ترزؤكم ولا ترزؤونها [5]» [6]، أي أعطيكم السقاية أنكم تغرمون فيها، ولم أعطكم البيت كي لا يأخذون من هديته [7].

إن مما يستفاد من هذا الموقف، أن الدعوة لا بد أن تكون خالصة لوجه الله عز وجل، دون طمع في حكم أو سلطان أو سعي إلى سيطرة أو جاه، فعلى الداعية أن يبتغي بعمله رضا الله وحده، وألا يحرص على الشهرة والشرف، وألا يشترط منصبًا أو عرضًا من أعراض الدنيا، لأن هذه الدعوة لله، والأمر لله يضعه حيث يشاء تعالى، وأن يوطن نفسه من أول يوم يضع فيه قدمه على هذا الطريق، أن يكون جنديًا للدعوة، دون تطلع أو توقع لرئاسة أو منصب، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة» [8]، ليس له هدف إلا مرضاة الله، وإعلاء كلمته، وإنما يحدث التعثر إذا التفت لغير الله، وحدثته نفسه بأمر من حظوظها [9].

وطلب الشرف بالولاية والسلطان والمال، خطر جدًا، وهو في الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها وعزها، وقلَّ من يحرص على رئاسة الدنيا بطلب الولايات فيوفق، بل يوكل إلى نفسه [10]، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سَمُرة [11] رضي الله عنه وهو من مسلمة الفتح: «يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيت من غير مسألة أعنت عليها» [12].

لذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يولي من استشرفت نفسه تولي المناصب، وقال لمن سأله أن يوليه «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدًا سأله ولا أحدًا حرص عليه»، والحكمة في ذلك، أن من سأل الولاية، لم تكن معه إعانة، كما صرح في الحديث السابق، وإذا لم تكن معه إعانة، لم يكن كفئا، ولا يُولى غير الكفء، ولأن في طلب الإمارة تهمة للطالب لها الحريص عليها [13].

لذلك كان من أبرز سمات إعداد الدعاة، أن يكون مناط عملهم للدعوة على الإيمان واحتساب الأجر والثواب من عند الله تعالى، لا على الإغراء بالفوائد الدنيوية والجاه والمنصب، لأن ذلك يبني أساساً ضعيفاً سريع الانهيار [14].
 

 

_______________________
[1]- بتصرف، آفات على الطريق [57/2].

[2]- نعم المرضعة: لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات في الدنيا، وبئست الفاطمة: عند الانفصال عنها بموت أو غيره، وما يترتب عليها من تبعات في الآخرة. بتصرف، فتح الباري [126/13]، [ح 7148].

[3]- صحيح البخاري كتاب الأحكام باب ما يكره من الحرص على الإمارة [106/8].

[4]- انظر شرح المواهب اللدنية [405/2].

[5]- يقال: ما رزأ فلانًا شيئًا يرزؤه: أي ما أصاب من ماله شيئًا ولا نقص، فالسقاية تأخذ من أموالهم وتنقصها، ولا يأخذون هم عليها مالا يستفيدونه. بتصرف، حاشية تهذيب الآثار [233/4]، والنهاية في غريب الحديث [218/2].

[6]- تهذيب الآثار مسند علي بن أبي طالب [233/4]، وروى نحوه في المصنف: عبدالرزاق [84/5]، [ح 9073]، وروى نحوه الإمام الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه كتاب معرفة الصحابة [332/3]، ووافقه الذهبي.

[7]- بتصرف، شرح المواهب اللدنية [406/2].

[8]- جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد باب الحراسة في الغزو في سبيل الله [223/3]. قال ابن الجوزي رحمه الله: أي خامل الذكر لا يقصد السمو، فإن كان في الحراسة استمر فيها، وإن كان في الحراسة استمر فيها. بتصرف، فتح الباري [83/6]، [ح 2887].

[9]- بتصرف، وقفات تربوية من السيرة النبوية: عبدالحميد جاسم البلالي [ص 73]، مكتبة المنار الإسلامية الكويت [ط:2]، [1409هـ 1989م].

[10]- بتصرف، شرح حديث: ما ذئبان جائعان: الحافظ ابن رجب الحنبلي [ص 17]، تخريج وتعليق: بدر البدر، الدار السلفية الكويت ط: بدون.

[11]- هو عبدالرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، أسلم يوم الفتح، وكان أحد الأشراف، نزل البصرة وغزا سجستان أميرا على الجيش، مات بالبصرة سنة 50 رضي الله عنه. بتصرف، سير أعلام النبلاء [2/571]، والإصابة [2/401].

[12]- صحيح البخاري كتاب الأحكام باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله [106/8]، وصحيح مسلم كتاب الإمارة باب النعي عن طلب الإمارة والحرص عليها [1456/3]، [ح 1652].

[13]- بتصرف، صحيح مسلم بشرح النووي [208/12].

[14]- بتصرف، بحث بعنوان: بعض سمات الدعوة المطلوبة في هذا العصر: الشيخ أبو الحسن الندوي، [ص 414]، بحث ضمن أبحاث اللقاء الخامس لمنظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي [1402هـ 1982م].

 

هند بنت مصطفى شريفي

  • 0
  • 0
  • 8,204

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً