المال قوة لنشر الإسلام
تظهر قيمة المال لا للإحسان الفردي تضعه في يد فقير، بل لنهضة أمة والخروج بها من النفق المظلم. لكن للأسف بدلاً أن يهتدي الخلق أو تنهض الأمة على أيدي أغنياء المسلمين، إذ بأكثرهم يبيعون أمة بدينها وأعراضها ودماء أبنائها ومقدراتها ومستقبلها..
كلما رأيت فقيرًا في إفريقيا كلما عرفت قيمة المال وقلتُ هذا أوان الأغنياء يطعموهم ويهدوهم..
وكلما رأيت قطاعات فقيرة في بلادنا تعيش ضنكًا وتحمل همًّا وتحلم ولا تجد بل وتوءد أحلامها..
عندها اعرف قيمة المال، وأقول هذه فرصة الأغنياء لصناعة الخير والأمل بهذا المال..
تظهر قيمة المال لا للإحسان الفردي تضعه في يد فقير، بل لنهضة أمة والخروج بها من النفق المظلم.
لكن للأسف بدلاً أن يهتدي الخلق أو تنهض الأمة على أيدي أغنياء المسلمين، إذ بأكثرهم يبيعون أمة بدينها وأعراضها ودماء أبنائها ومقدراتها ومستقبلها..
أمام الأغنياء طريقان لمساعدة هؤلاء: طريق مباشر، من خلال الإعانة المباشرة، بإعطاء المال أو الإطعام أو الإشراف على الدعاة إليهم والتكفل بهم.. وطريق آخر لا يقل عنه بل قد يكون أبقى وأفضل، وهو إقامة الدولة والنظام الذي يقيم العدل الاجتماعي في البلاد، ويحقق رسالة الإسلام ويمارس دوره الواقعي والعمل، ويحقق نظامه الاجتماعي والاقتصادي، ويحقق نظرة الإسلام للمال ولدوره، لينعم أهل البلاد بتطبيق وإقامة المنهج الرباني المنزل..
إقامة الدولة والنظام الذي يحمي الإسلام وينشره ويرعى الدعوة وآفاقها، ويوجه الأموال الوجهة الصحيحة ويرغّب الناس في الخير، ويكشف لهم عن مكانه ويسبقهم إليه، ويحمل الخير للبشرية ويقطع الطريق على الشياطين.
إن الدعوة التطوعية لها أثرها، لكنها وحدها لن تقف أمام دعوات منظمة تقوم عليها دول ومصارف وأنظمة مالية، كالمنصّرين وغيرهم.. إن المفقود في حياتنا ليس المال، بل وجود الأنظمة التي تحمل الرسالة وتحمل هم شعوبها بإغناء فقيرهم ومساعدة محتاجهم، فتحقق التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في الداخل، وتستعمل المال لإقامة وتوصيل هذا الدين ونشر الخير والتمكين له، فإن الناس لم يروا إلا مصاصي دماء إما مباشرين أو بلباس الدين.
روى أحمد وابن ماجه والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص: « »، وقال سعيد بن المسيب: "لا خير في من لا يحب المال: يعبد به ربه، ويؤدي به أمانته، ويصون به نفسه، ويستغني به عن الخلق"، المال قوة من القوى التي من الخير أن يمتلكها المسلم، والتي تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح مسلم:2664).
يمتلك بعض الناس مليارات فينهبون بلادًا ويفقرون أممًا؛ لتزداد المليارات! ويمتلك آخر مليارات فيملأ الدنيا رقصًا وانحلالاً ليضلل أممًا عن سبيل الله! ويمتلك ثالث مليارات فيمكّن للطائفية البغيضة التي تدمره وتدمر أهله ويقدمهم قربانًا لحقده ومطامعه، ويدمر بلاده بيده! لقد أصبح الفساد والتحايل احترافًا وموهبة، بل أصبح له القدرة على التأثير على القوانين، وتشكيل العقول، بل وصل لحشد الفقراء ضد من يضحي من أجلهم.
يملك البعض فيتفنن في التمتع بما لا يقدر على التمتع به، حتى يغرق فيما يؤذيه وما لا تطيقه فِطرتُه من الفساد.
ملك البعض في بلادنا مليارات فقتلوا الناس ليفسحوا المجال لمزيد من الفساد وليجمع السلطة مع الفساد، ليتحقق فيه (إرادة العلو، وإرادة الفساد) في مقابل (من لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا)، فاستهدفوا نموذج قارون وفرعون! وكانت أداته في هذا: القتل والإلحاد والإباحية، بل والطائفية لتدمير أمة، ليحيا هو وخاصّتُه حياة مترعة..
ويمتلك أصحاب ديانات أخرى مليارات فينصّرون الفقراء في إفريقيا طليعةً للاستعمار الغربي؛ ليسرق اللصوص العالميون اليورانيوم والبترول والذهب والماس، وغيرها بلا ثمن.. وفي المقابل يمتلك بعض المسلمين أموالاً يمتلكون أن ينصروا بها الحق، فيصل لآفاق ومجاهل بها فقراء يحتاجون إلى الهدى ويحتاجون إلى العدل؛ فيهتدي بسببه آلاف بل ملايين الخلق.. ولو أسلم رجل واحد بسببه لكان خيرًا له من الدينا وما فيها، فما بالك بعشرات بل بمئات أو آلاف أو أكثر؟!
من يمتلكون الأموال يمتلكون أن يعلّموا بها أمة، وينشروا بها الحق ويحموا بها أعراضًا، ويمسحوا بها دموعًا ويستروا بها أعراضًا.. يمتلكون أن يفرّجوا بها كروبًا وينفثوا بها همومًا، يحمون بها أرملة ويتيمًا، إنه نفس المال.. لكنها النفوس، إن من يملكه يملك فرصة عظيمة وقوة ضخمة يوجه بها الخير وينصره، ويرضى بشراء الله له {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة من الآية:111]، فيا مالك المال والمليارات أنت محتاج إلى الخير والنفقة أكثر من الفقير..
كم من قلب ينتظر أن يسمع الحق ويراه، وأنت تملك أن توصله إليه؟!
كم من أرض عطشى للهدى وأنت تستطيع أن ترويها إياه؟!
وكم من عرض يتمنى أن يُستر وأنت تملك ستره؟!
وكم من دمعة يتيم أو أرملة وأنت تملك أن ترقأ ذلك الدمع؟!
وكم من زفرة مكروب أو مهموم ضاقت به الدنيا وبات يلتحف الهموم وتلتحفه، ويتدثر بها يرجو لها فرجًا وأنت تملك تفريجها وتنفيث همومها؟!
كم من فقير يضله المنصّرون في إفريقيا ليتنصّر بعد إسلامه، أو يختار النصرانية عن خداع بعد وثنيته، ليصير سكينًا يذبح الإسلام، وما تنصّر إلا لحاجته فأضلوه بأموالهم، يملك لك المال يُسْر الحياة، وهذا يكفي جدًا..؟!
بقي توجيه هذه القوة إلى الله تعالى وإشراق نور هذا الدين على بلادنا وعلى بلاد الدنيا وعلى قلوب ظمأى لهذا الدين، فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الله به أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا، ودورنا أن نوصل هذه الرسالة لتؤدي دورها.
وفي هذا يتكامل الداعية، مع قوة المال، مع قوة السلطان..
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة من الآية:111]، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد من الآية:25].
- التصنيف: