درس في التجرد

منذ 2015-04-24

إننا وإن كنا نطالب القساة من الناصحين باﻷسلوب الحسن، والعرض الجاذب، والقالب الطيب، لكننا في الوقت ذاته نطالب طلاب الحقيقة بالاستعلاء على القوالب، والنفاذ إلى المضامين، والحكم عليها مجردة عن مظاهرها الشكلية!

مرة فكرت في حذف أحد اﻷصدقاء الذين أختلف معهم جذريًا في غالب أطروحاته، و طريقته اللاذعة في النقد، ثم نظرت في أمري.. فقلت: إن الرجل على قالبه القاسي لكن محتواه لا يخلو من حق؛ بل فيه كثير من الحق، ومن كان كذلك فحقه ينفعك وقالبه لا يضرك.. ولعل كلمة صادقة من الرجل خرجت تبحث عن قلبك أو عقلك فتكون فيها نجاتك!

وانعقد على استبقائه عزمي؛ لما تذكرت قصة الطفيل بن عمرو الدوسي؛ لما وسوس له شيطان اﻹنس أبو جهل؛ ليحول بينه وبين سماع النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع في أذنيه الكرسف -القطن-، ثم استخرجه من أذنيه؛ لما عاد لرشده بعد هنيهة من ذهاب تأثير أبي جهل.. ولما وثق في قدرته على تمييز الغث من السمين، وعلمه بكلام العرب، فانتفع بسماع القرآن وكان من أهل الهداية..

ليس كل لجوء للحظر نابعًا عن رغبة في راحة أو ابتعاد عن مناكفة؛ بل كثيرًا ما يكون نابعًا عن ضعف ثقة في النفس، أو عن قلة بضاعة، أو نشدان لوحدة الطيف والفكرة والنسيج! ومنذ اتخذت قراري هذا وأنا أستفيد مما يطرحه الرجل بعدما أسقطت من داخلي جدار العزل الذي بيني وبينه في اللاشعور.

إننا وإن كنا نطالب القساة من الناصحين باﻷسلوب الحسن، والعرض الجاذب، والقالب الطيب، لكننا في الوقت ذاته نطالب طلاب الحقيقة بالاستعلاء على القوالب، والنفاذ إلى المضامين، والحكم عليها مجردة عن مظاهرها الشكلية! 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 2,471

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً