كيف تعيش أكثر من مرة؟
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
فرصة واحدة يشتري فيها العبد نفسه من ربه، فينجو، وإلا فالنار.. النار، وبئس القرار!
- التصنيفات: الدعوة إلى الله - أعمال القلوب - طلب العلم - الحث على الطاعات -
ومن منا لا يريد أن يعيش في الدنيا أكثر من مرة؟ لا لجمالها، ولا لنعيمها، ولا لما فيها من متع وشهوات، فما عند الله لعبده المؤمن يوم القيامة من الخير، خير له مما يطمع في تحصيل أضعاف أضعافه في الدنيا التي لا يساوي نعيمها في الآخرة مثقال خردل في النعيم المقيم والخير العميم في جنات النعيم، وإنما ليستكثر من الحسنات والباقيات الصالحات التي ينتفع بها يوم لقاء ربه على تلك العرصات في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة!
والمصيبة الرهيبة أننا لن نعيش في الدنيا إلا مرة واحدة، إذا ذهبت لم تحصل مرة أخرى، وتلك والله داهية كبرى!
فرصة واحدة يشتري فيها العبد نفسه من ربه، فينجو، وإلا فالنار.. النار، وبئس القرار!
ولكن، هل تعلمون أن من الناس ناسًا يعيشون مرَّات وكرات؟!
يعيشون في مصرهم وغير مصرهم..
يحيون في عصرهم وفي غير عصرهم..
وكلما مرَّ الزمان عليهم، طال عمرهم أكثر، وغنموا من الأعمال أكثر وأكثر..
تقول: يا ليتني كنت منهم فأفوز فوزًا عظيمًا!
فهل تعلم أنه يمكنك أن تكون منهم إذا شئت وأدركتك رحمة أرحم الراحمين!
إنهم الدعاة إلى الله تعالى..
يموت الناس بحسناتهم معهم، وتبقى حسنات الدعاة إلى الله تعالى من بعدهم، فتأتيهم في قبورهم وهم في أمسِّ الحاجة إليها وأعظم الرغبة فيها، فيغنمون من الحسنات بعد مماتهم أكثر مما نالوا منها في حياتهم!
فعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
فهم ينشرون الخير للغير، ويعلمون الناس المعروف، ويدلونهم على الأعمال الصالحات، فيفعلها الناس اقتداءً بهم، وتأسيًا بفعلهم، وتعلمًا منهم، وللدعاة بفضل ربهم عليهم صورة طبق الأصل من ذلك الأجر وتلك الخيرات والأعمال الصالحات.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «
» (صحيح سنن ابن ماجه: [1/41] [171]).فتمتد أعمارهم لسنين طويلة، وإن دفنوا في التراب، فالغاية من الحياة الاستكثار من الحسنات، فها هي تأتيهم في قبورهم، فمن مثلهم؟!
بل ويعيشون في مصرهم، وفي غير مصرهم بانتشار الخير الذي علموه إلى البلدان وفي كل مكان، فتمتد حسناتهم إلى حيث البقاع التي لم تطأها أقدامهم ولم تدخلها أبدانهم، فيأتون بالناس في موازين أعمالهم يوم لقاء ربهم، وذلك الفوز المبين!
فعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح سنن ابن ماجه: [198]).
وما من يوم ينشق فجره ويبزغ نوره إلا وفضل الصحابة يعظم، وأجرهم يكبر، لأنهم نقلة الدين إلينا من خير المرسلين صلى الله عليه وسلم، فما من طائع في مشرق الأرض أو مغربها، إلا وكان ذلك زيادة في أجر من نقل هذا العلم، وبين الناقل والعامل مئات من السنين، وآلاف من المسافات، فهل أدركت كيف تعيش؟! ولماذا تحيى؟! وكيف تعيش أكثر من مرة؟!
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح ابن ماجه: [199]).وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «
» (صحيح الترغيب: [114]).وصدق الله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].