إشارات وعبر من سيرة ومؤلفات الشيخ بكر أبو زيد - (2) معالم في مؤلفات وشخصية الشيخ

منذ 2015-04-26

أخذ الشيخ بكر على نفسه أن يكون متميزًا في طرحه ومؤلّفاته.

لقد كان الشيخ بكر رحمه الله يتمتع ويتميز بمجموعة من الصفات في مؤلّفاته وشخصيته، وقفنا عليها من خلال ترجمته اليسيرة، وما سمعناه وقرأناه عنه قبل وبعد وفاته، فمن تلك المعالم والصفات البارزة في مؤلفات الشيخ:

التميّز: أخذ الشيخ بكر على نفسه أن يكون متميزًا في طرحه ومؤلّفاته.

ومن جوانب التميّز عند الشيخ:

تميّزه في المقدمات التي يكتبها لبعض المؤلّفات أو التحقيقات التي يطلب أصحابها من الشيخ كتابة تقديم لها؛ لمكانته العلمية عند أهل العلم، حيث قام الشيخ بالتقديم لعدد ليس بالقليل من الكتب، وأذكر منها:
1- تقديمه لـ(تفسير السعدي) طبعة دار ابن الجوزي، بعناية سعد الصميل.
2- تقديمه (للموافقات) تحقيق الشيخ مشهور سلمان.

ومن الفوائد التي تهم القارئ في هذا الباب (التقديم للكتب) ما حدثني به الأستاذ سعد الصميل (صاحب دار ابن الجوزي، والمعتني بتفسير السعدي الذي طبعته الدار).

حيث قال: بعد الفراغ من تحقيق الكتاب أعطيت الشيخ بكر نسخة من الكتاب -قبل طباعته - لينظر فيه ويقوم بكتابة مقدمة له، فمكث عنده فترة طويلة، ولمَّا كلمته في ذلك، قال لي: "إن مسألة التقديم والكتابة لأي كتاب -عندي- ليست بالأمر الهيّن؛ فإن من يريد أن يقدم لكتاب ما لا بد أن يأتي بشيء جديد يفيد القارئ وإلا فلا يُتعب نفسه".

وأُحيل القارئ الكريم على مقدمات الكتب التالية مما دبّجه الشيخ عليه رحمة الله: كتقديمه الرائع لكتاب (الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية) المطبوع ضمن مجموعة (مؤلفات وآثار شيخ الإسلام ابن تيمية) وهو مجلد كبير حوى تراجم من كتب مطبوعة ومخطوطة عن شيخ الإسلام، فقدّم الشيخ للكتاب بمقدمة بلغت نحو ثلاثين صفحة.

ومنها ما كتبه مقدِّمًا لكتاب (الموافقات) للشاطبي الطبعة التي حقّقها الشيخ مشهور سلمان، وطُبعت في ستة مجلدات، فجاءت مقدمة الشيخ مدخلًا حافلًا يليق بالكتاب والعمل الذي بذل فيه المحقق جهدًا مباركًا.

التميز في الأسلوب الراقي في الكتابة:

يقول عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لكتاب الشيخ بكر (حلية طالب العلم) الشريط الأول: ".. إن كلامه في غالب كتبه كلام يدل على تضلّعه في اللغة العربية، والذي يظهر أنه لا يتكلف ذلك؛ لأن الكلام سلس ومستقيم وهذا يدل على أن الله تعالى أعطاه غريزة في اللغة العربية لم ينلها كثير من العلماء في وقتنا، حتى إنك لتكاد تقول: هذه الفصول كمقامات الحريري وهي معروفة..." ا. ه.

والشيخ ابن باز أيضًا قُرِئ عليه عدد من كتب الشيخ بكر ويثني على أسلوبه في الكتابة[1]، فقد قال الشيخ (محمد الموسى) مدير مكتب بيت الشيخ ابن باز رحمه الله: ".. وكان يَعجَب كثيرًا من أساليب صاحب المعالي العلاَّمة الشيخ بكر أبو زيد، وكان يقول متعجبًا: من أين يأتي الشيخ بكر بهذه الأساليب والتراكيب؟"[2].

من المعالم المتميزة والبارزة في كتابات الشيخ بكر رحمه الله (جانب الغَيْرة) ونميِّز فيه:

أولًا: الغيرة على القرآن: إن غيرته على لغة القرآن (اللغة العربية) بارزة وظاهرة في طريقته وأسلوبه ومحافظته على الألفاظ والصياغات التي يكاد ينفرد بها، كذلك حرصه على تحذير أهل العلم من الانجرار خلف الألقاب المستوردة كلقب (الماجستير والدكتوراه)[3]، والرمز بحرف (د) قبل الاسم على طرَّة الكتب والمؤلفات والمقالات؛ كذلك ألَّف رسالته الفريدة (تغريب الألقاب العلمية).

ثانيًا: غيرته على أعراض المسلمين ونسائهم على وجه الخصوص؛ حيث ألف واحدًا من أروع وأوسع مؤلفاته قَبولًا وانتشارًا، وهو كتاب (حراسة الفضيلة) الذي طُبع منه حتى طبعته الرابعة 500 ألف نسخة، كما ذكر ذلك الشيخ نفسه في مقدمته للطبعة الخامسة التي طبعتها دار العاصمة عام 1421 هـ.

ثالثًا: غيرته على أعراض العلماء والدعاة، فقد تصدّى رحمه الله لتلك الفتنة بمؤلَّفه: (تصنيف الناس بين الظن واليقين)، ومن براعة الشيخ وورعه أنه لم يتعرض لأحد باسمه، بل نَقَد المسلك والطريقة، وحذّر منهما بأسلوب رفيع نفع الله به.

_______________

[1]- قال الشيخ (محمد الموسى مدير مكتب بيت الشيخ ابن باز رحمه الله): "ومن الكتب التي قرأتها على الشيخ من كتب الشيخ بكر أبو زيد: (الإبطال، درء الفتنة، بدعة اليوبيل، بطاقة الائتمان، أدب الهاتف، حد الثوب والإزرة، تصنيف الناس)".

[2]- جوانب من سيرة الشيخ ابن باز لمحمد الحمد، ص: [263].

[3]- تنبيه مهم : قال الشيخ بكر في كتابه (تغريب الألقاب العلمية) ص: [41]: "وأخيرًا، فلا يحسبن أحد أنني بهذا أدعو إلى التأخر عن نيل مثل هذه الرتب العلمية، لا وكلا، بل أرى ما فوق ذلك وهو أن يجدّ الطالب في الترقي إلى أقصى درجات الطلب، وأن يهب حياته ويتفانى في سبيل العلم وخدمته، ولكن لا ينبغي لنا بحال أن نتعلق بالشكليات، وزُخرف الألقاب فقيّم الناس على حسب ألقابهم؛ فإن هذا من خَطَل الرأي المنتج لإسناد الأمر إلى غير أهله؛ إذ الأمور مرهونة بحقائقها، فالعبرة بجوهر الإنسان ومعناه لا بزخرف لفظه ومبناه؛ وبهذا نَسْلم من الدخول في قالب سجناء الألفاظ" ا. ه.

المصدر: مجلة البيان - العدد: [264] - صفحة: [76] - شعبان 1430 / أغسطس 2009
  • 1
  • 0
  • 5,206
المقال السابق
(1) مقدمة
المقال التالي
(3) التواضع

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً