استغاثة أُسر لأرباب الفكر
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
ما سبيل الخلاص لشاب أراد إعفاف نفسه بالحلال عن الانحلال، فحاصرته القيود من كلِّ جانب، وأعاقته السدود من كل صوب
- التصنيفات: قضايا الشباب - الواقع المعاصر -
الحمد لله الباعث الوارث، الواجد الماجد، الغني القوي، العليم الحليم، إن ربي على صراط مستقيم.
والصلاة والسلام على رسولنا الكريم، خير الورى، وأفضل من وطئ الثرى. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه، أما بعد:
معاشر الأئمة، والخطباء والدعاة.. إني رسولٌ من الشباب إليكم، ووفدهم بين أيديكم، فاسمحوا لي ببعض المعاني عن معاناتهم، وبشيء من الكلمات عن كرباتهم، يشجعني على ذلك طيب قلوبكم، وسماحة نفوسكم، ودماثة أخلاقكم. هذا ما تعودناه منكم، ومحبتنا لكم جرأتنا عليكم.
معاشر الفضلاء: كثيرًا ما توجهون العتاب لنا معاشر الشباب، وتشيرون إلينا بأصابع الاتهام، وتحاصروننا بالحساب والعتاب والعقاب والملام، فتقولون: أنتم.. أنتم! وتغافلتم عنا، ولم تشعروا بنا، وأننا قد أصبحنا ضحيةً من ضحايا هذا الزمان.
فالشاب ضحية لهذا الزيف الإعلامي، والزخم المسموع والمقروء والمرئي، الذي يقذفه بكل داهية، يحرك فيه الغرائز الخائره، ويهيج في أوردته شهواته الفاترة لتغدوا ثائرة، ويثير فيه كوامن العواطف لتصحب كالعواصف.
وفي النفسِ حاجاتٌ وفيكَ فطانةٌ *** سُكوتي بيانٌ عندها وخِطابُ
فقولوا لي بربكم: ما النتيجة الحتمية لشاب غافل، فتح مغاليق قلبه، وأرهف حسَّه، وأصاخ سمعه، لكثير من الأبواق المستأجره، وقد نصبوا شراكهم وعقدوا شباكهم حول عنقه في هجمة ماكرة، ليقع بين أيديهم الملوثة بالإثم كالفريسة الغارقة في بحر لجيٍّ من الشهوات والشبهات؟
ما الثمرة المنتظرة لشاب أمطرته أجهزة الإعلام، بسهامٍ ـوأيِّ سهام!- من المناظر المخزية، والمواقف المزرية، والمشاهد المكشوفة، والكلمات البذيئة والعبارات المعبرة عن أمور خافيات، تنوء عن حملها الجبال الراسيات؟
أَلْقَاهُ فِي اليَمِّ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ: *** إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالمَاءِ!
ثم قولوا لي بربكم معاشر النبلاء: ما سبيل الخلاص لشاب أراد إعفاف نفسه بالحلال عن الانحلال، فحاصرته القيود من كلِّ جانب، وأعاقته السدود من كل صوب، تُطالبه بما لا طاقة له به، ولا قدرة له عليه، من تلك الشروط المعجزة التي ما زال المجتمع -في الجملة- يعاني من أنكالها وأغلالها؟
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « » (صحيح الجامع: [3300]).
ويقول: « » (صحيح الجامع: [2235]).
فمن أين لنا تلك المهور الغالية والأجور العالية لمن لا يكاد يظفر بمورد مالي مناسب؟
وكيف لنا أن نأتي بمعجزة لنتغلب على تلك الشروط المعجزة من سكن مناسب، وأثاث طيب، وقصور أفراح، ودعوات ومناسبات، وهدايا، وقائمة من البلايا والرزايا، وتلك عقبات كؤود لا يجاوزها إلا كلُّ مثقلٍ بالأموال خفيفٍ من الأحمال، مما جعل الشاب يراوح في مكانه، ويتراجع القهقرى للوراء، ويفكِّر، ويقدِّر، ثم يقرر: لا زواج.. لا زواج!
وربما يسقط في وحل الأوزار وحضيض الخطايا، ويتخبط في صحراء الانتظار المقفرة، فيا لها من فاقرة!
فهم منعونا ما نحبُّ، وأوقدوا علينا نار ضرم تأجَّجُ
ثم قولوا لي بربكم معاشر الكرماء:
ماذا تفعل الفتاة الحزينة المحبوسة في بيت أبٍ جشع أرداه الطمع، فمنعها من أهم حقوقها، لينال منها نهمته، ويصيب منها غنيمته كبقرة حلوب، استدرَّ مالها، ثم أوهى حبالها.
فعضلها في بيته، وحبسها بين جدران منزله، فإذا ما جاء الكفء ليخطبها، احتال عليه بألف حيلة، كلُّ حيلة أكبرُ من أختها!
وقد يُهلِكُ الإنسانَ كثرةُ ماله *** كما يُذبحُ الطاووسُ من أجل ريشه
وربما أمطرها بوابل من المحن ومثيرات الفتن، لتغدوا كالقشَّة في مهب الريح، تقاوم الإعصار وتواجه التيار، بقلب مكسور ونفسٍ محطمة!
وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً ***عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ
وصدق الله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور من الآية:33].
هذا في الرقيق، فكيف بالحرائر؟! أما لهذا الجور من آخر؟!
ثم قولي بربكم معاشر النبلاء:
ماذا يصنع الشاب في زمن تبدلت فيه الموازين، واختلَّت فيه القيم، وتغيرت فيه الثوابت، وسميت الأشياء بغير اسمها؛ فالاختلاط أصبح حضارة، والتبرج والسفور غدا زينة، والحياء والحشمة أصبحا ضعف وهزيمة، والعشق الشيطاني والتعلق الشهواني بالحب البريء والعلاقات العاطفية، والتفلت على أوامر الدين أصبح حرية شخصية.
فكُسر القيد، وطاب -لأعداء الملة- الصيد، وأصبح الشباب في أمر مريج!
فها هو نداء الفطرة يناديهم، وها هي أبواق الباطل تغير عليهم، لتغيرهم، وترجف في قلوبهم، فأيُّ النداءين يجيبون؟! وأيُّ الخسارتين يحتملون؟!
والثوب يَبلى ثم يُشرى غيره *** والعِرض بعد هلاكه لا يُشترى
وهنا جاء دوركم، وتعلقت الأمانة بذممكم، وعظمت المسؤولية عليكم.
فمن للشاب الغريق في وهج الحريق؟
من للفتاة المحزونة؟
من للمطلقة المكلومة؟ من للأرملة المفجوعة؟ من للشاب البائس؟ من للفتاة العانس؟
من لهم؟ إلا الله، ثم انتم معاشر الدعاة لدين الله.
فأعن على الخطب العظيمِ فإنما يرجى الكريمُ لدفعِ كلِّ عظيم
معاشر الكرام:
إنَّ في البيوت قلوبًا تحن، ومن حُزنها تئن.. فأين أنتم عنها؟!
أما أحرقتكم زفرات الحزانى؟
أما أوجعتكم آهات الحيارى؟
أما أحزنتكم عبرات وعبارات الأيامى؟
أما سمعتم بشكوى المنتظرين؟
أما علمتم بالآلام البائسين؟
إنه ليس لهم بعد الله معين إلا أنتم، فأين أنتم؟!
صوتُكم مسموع، كلمتُكُم نافذة، فأوصلوا رسالتَنا للناس، {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [الأنفال من الآية:73].
أرى بين الرمادِ وميضَ نارٍ *** ويُوشك أن يكونَ لها ضِرامُ
فإن النارَ بالعيدان تُذكى *** وإن الحربَ مبدَؤها الكَلامُ
أقولُ منَ التعجُّب ليت شعري *** أأيقاظٌ أُميَّةُ أم نيامُ
فإن كانوا لحينِهمُ نيامٌ فقل: *** قومُوا فقد حان القيامُ
سدد الله على الخير خطاكم، وحماكم وآواكم، والسلام عليكم.