حكم الاحتفال بعيد رجب
قال الحسن البصري - رحمه الله - تعالى -: (ادعى أقوام محبة الله فابتلاهم أو قال فامتحنهم بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني}.
- التصنيفات: ملفات شهر رجب والإسراء والمعراج -
الخطبة الأولى:
فإن الله - سبحانه وتعالى- أمر عباده المؤمنين بالمحافظة على السنة والدعوة إليها، وحث على اتباع رسوله، وأمر به وأوجبه فقال - تعالى -: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر: 7]. وجعل الله - سبحانه وتعالى- الفوز بمحبته - عز وجل - إنما ينال باتباع رسوله قال - تعالى -: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [آل عمران: 31-32].
قال الحسن البصري - رحمه الله - تعالى -: (ادعى أقوام محبة الله فابتلاهم أو قال فامتحنهم بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني}.
ونفى الله الإيمان عن من لم يحكم رسول الله ولم يرض بحكمه فقال - تعالى -: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً [النساء: 65]. وجعل الله - سبحانه وتعالى- الاحتكام إليه وإلى رسوله عند التنازع والاختلاف فقال - تعالى -: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً [النساء: 59]. قال العلماء: معناه الرد على الكتاب والسنة.
وحذر الله من مخالفة سنته وتوعد المخالف بالفتنة في الدنيا والعذاب الأليم الموجع في الآخرة فقال - تعالى -: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور: 63].
وفي هذا الزمان الذي قل فيه العلم وكثير فيه الجهل وتحكم فيه الرويبضة، ترى انتشار البدع وشيوعها، وتعلق الناس بها حتى ظنوا أنها من دين رسول الله، وقد حذرنا رسول الله من شر البدع والأحداث في الدين فعن أبي نجيح العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظة بليغة وجلت منها القلوب أي خافت وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة))[1].
وقد أحدث الناس بدعاً كثيرة من الأزمنة والأمكنة، ومما أحدثه الناس في زماننا هذا بدعة جمعة رجب فإنه (يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً، ولم يكن له ذكر في وقت السلف، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه مثل أول خميس من رجب، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة).
وروي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء، مضمونه فضيلة صيام ذلك اليوم وفعل هذه الصلاة السماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم. والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم: النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم وعن هذه الصلاة المحدثة، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة، وإظهار الزينة ونحو ذلك، حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من بقية الأيام، وحتى لا يكون له مزية أصلاً. وكذلك يوم آخر في وسط رجب تصلي فيه صلاة تسمى صلاة أم داود فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلاً) [أنظر اقتضاء الصراط المستقيم شيخ الإسلام ابن تيمية ص292-293].
ويتخذ كثير من الناس أول جمعة في رجب عيداَ زاعمين أنه يوم دخل الإسلام إلى اليمن، ومنهم من يشد الرحل إلى مسجد معاذ بن جبل بالجند معتقدين فضيلة ذلك، وهذه الأمور كلها من البدع المحدثات في الدين التي ليس عليها دليل صحيح صريح يصلح الاحتجاج به، بل إنها من ادّعاءات المدعين ومقالات الأفاكين المبتدعين، وعلى فرض صحة ثبوت أن إسلام أهل اليمن كانت في أول جمعة من رجب مع أنه لم يثبت ذلك ولم يصح لا يجوز اتخاذه عيداً، فإننا معشر المسلمين لا عيد لنا إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وكل عيد سوى هذين العيدين فمن أعياد الجاهليين، فقد أخرج الشيخان في صحيحهما عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل عليّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتن، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟ وذلك يوم عيد. فقال رسول الله: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)) وفي رواية: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم)) وفي الصحيحين أيضاً أنه قال: ((دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى)). وهذا الحديث يدل على أمور[2]: أحدهما: قوله: ((إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)) يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم.
فكما أن للمشركين أعيادهم التي يختصون بها فلا نشركهم فيها فكذلك نحن لنا أعيادنا الخاصة التي يشاركوننا فيها، فاللام تقتضي الاختصاص.
الثاني: وهذا عيدنا يفيد حصر أعيادنا في يومين (عيد الفطر وعيد الأضحى) فليس لنا عيد سواهما.
الثالث: إن قوله: ((وإن عيدنا هذا اليوم)) تقتضي أن يكون جنس عيدنا منحصراً في جنس يومي عيد الفطر والأضحى، فإن التعريف بالألف واللام والإضافة يفيد الإستغراق.
الرابع: قوله: ((وإن هذا اليوم)) أي جنس هذا اليوم إشارة إلى جنس الشروع من الأعياد لا حصر العيد في ذلك اليوم الذي كان في عهده.
وعليه فإن القول بأن إسلام أهل اليمن كان في أول جمعة من رجب زعم باطل لا دليل عليه، ولو ثبتت فليس فيه حجة لاتخاذه عيداً، وأما تخصيص مسجد معاذ بن جبل شد الرحل فبدعة أخرى يضاف إلى بدعية اتخاذ ذلك اليوم عيداً واجتماعاً، فإن شد الرحل لا يجوز شرعاً إلا إلى المساجد الثلاثة كما جاء في الحديث الصحيح أنه قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)).
فشد الرحل إلى مسجد معاذ بن جبل في أول جمعة من شهر رجب بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم إن الادعاء بأن هذا المسجد المذكور بناه معاذ بن جبل يحتاج إلى دليل صحيح ولم يصل إلينا من طريق صحيحة بأسانيد صحيحة أن معاذاً بنى ذلك المسجد، وعلى فرض ثبوته فليس فيه دليل على جواز شد الرحال إليه فإن كثيراً من الصحابة هاجروا إلى سائر البلدان والأمصار وبنوا فيها مساجد ولم يكن ذلك مدعاة لشد الرحال إليها.
فالواجب على المسلمين العمل في السنة واجتناب البدعة تحقيقاً للمتابعة وتجريداً للتوحيد.
أسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يتوفانا على التوحيد والإيمان ويجنبنا طرق أهل الأهواء والبدع إنه على ما يشاء قدير، ادعوا الله واستغفروه.
الخطبة الثانية:
فإن البدعة والإحداث في الدين أصل كل شر وبلية في الدين، وكلما بعد العهد وتقادم الزمان كلما ظهرت البدع وانتشرت على مدار الدهور والأزمان. فالواجب على المسلم أن يتبع السنة ولا يبتدع في دينه، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والبدعة شر لا تأتي بخير أبداً.
واعلموا عباد الله: أن من طاعة رسول الله ومحبته وتعظيمه وتوقيره اتباع سنته، فمن اتبع سنته كان مطيعاً له، ومن أطاعه كان مطيعاً لله قال - تعالى -: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً [النساء].
فمن لم يتبع سنة رسول الله كانت عاصياً لله، وهو من أهل الوعيد المستوجبين للنار، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))[3].
فالامتناع والإباء عن دخول الجنة المراد به الامتناع عن اتباع سنته.
فعليكم بالسنة ودعوا البدعة فإنها تؤدي إلى الفرقة والاختلاف في الدين، فعن ابن مسعود قال: (اتبعوا، ولا تبتدعوا فقد كفيتم).
واعلموا يا عباد الله: أنه ليس رجب فضيلة تذكر سوى أنه من الأشهر الحرم، وأما يفعله بعض الجهلة ممن يعتقد لشهر رجب فضيلة من تخصيص أيامه بصيام أو لياليه بقيام دون سائر شهور السنة فقد ابتدع في الدين، ومن اعتقد أن لأول جمعة منه فضيلة فقد فعل ما لم يثبت عن السلف تعظيمه، ومن اعتقد أول خميس من رجب أو أول ليلة جمعة منه فضيلة خاصة توجب تعظيمه أو تخصيصه بقيام أو صيام أو عيد فقد ابتدع في الدين ما ليس منه كما جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[4]. ولفظ مسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
فهذه الأمور التي يفعلها الناس كلها من البدع المحدثة في الدين والواجب على العلماء والدعاة إنكارها وبيانها للناس أنها بدعة وليست بشرع، وأن الواجب على الناس، أن يسألوا عن دينهم وأن يستفتوا أهل العلم من أهل السنة والجماعة ويقتدوا بهم لا بغيرهم، فرب عالم هو رأس في البدعة والضلالة والأحداث في الدين لا يجوز سؤاله ولا استفتاؤه، فإن المبتدع مخرج من زمرة العلماء، فالعلماء العاملون بعلمهم هم الذين يرجع إليهم في العلم والافتاء عملاً بقوله - تعالى -: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [النمل].
وامتثلوا قوله - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم [الحجرات: 1].
أسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يفقهنا في الدين ويعلمنا التأويل وأن ينفعنا بما علمنا وفقهنا ويحبب إلينا الكتاب والسنة والعمل بهما، ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان والأهواء والبدع آمين، آمين.
[1] رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[2] انظر الاقتضاء لشيخ الإسلام ص294.
[3] رواه البخاري.
[4] متفق عليه.