اخلعي نعليكِ لا حجابكِ
رحاب حسَّان
وإن أردتِ فلتخلعي نعليك أيتها الطيبة الطاهرة لتدخلي إلى رحاب الله المقدس ولتنعمي بعبادته والإنابة إليه؛ حينها ستتذوقين حقًا طعم الحرية الخالصة التي لا تشوبها شائبة حين تتحرري من قيود القراصنة
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
نظرتان مغايرتان لموقف واحد:
النظرة الأولى: هي نظرة مدَّعو الحرية للمرأة المسلمة بأن خلع الحجاب هو الحرية، وهم يربطون حريتها بما تستشرفه من جسدها ويعقدون تفوقها ونجاحها على مظهرها الخارجي فكلما زادت المرأة من عُريها كانت هذه علامة عبقريتها وتمدنها وثقافتها؟!.
والنظرة الثانية: هي نظرة أهل الإسلام لذات المرأة حين يقرر أن الأمر ليس بالمظهر الخارجي والحرية لا تُقاس بالتكشف والتعري.
والحقيقة العقلية تقول أنه لا يوجد ارتباط منطقي بين التكشف والحرية بل إن الحجاب أمر ربانيّ تعبديّ لا علاقة له بموضوع الحرية البتة وعلة الحجاب هو صون المرأة وحمايتها من أعين الغرباء وليس علته هي تقييد حركتها أو محاولة استغلاق عقلها وفكرها؟!
فالحرية لن تتحقق بوجود الحجاب من عدمه فهذه في الإسلام نقرة والحرية نقرة أخرى. ولكن هذا الربط المتعسف بين الفكرتين لم يتحدث عنه الإسلام بداية فلئن كان التبرج وزراً وإثماً مبيناً -وعلى عِظَمِ هذا الذنب- فهو لا يرمي المتبرجة أنها أصبحت عبدة أو أسيرة في الإسلام. فإن المرأة عزيزة كريمة حرة شريفة "بذاتها" في الإسلام لا "بحجابها" وان عُدّ الحجاب دليلاً على شرفها وتعففها فإنه ليس أصلاً في وصفها بالحرة من الأمة.
كما أن الحجاب لم يكن يومًا وعلى مدار تاريخ الأمة الإسلامية حاجزًا بين المرأة وحريتها وتفاعلها في كافة الميادين فلطالما كانت الصحابية الطبيبة والممرضة في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت المرأة العاملة التي تخرج للعمل الخيري ورعاية المساكين واليتامى والمرأة المعلمة والمحدِّثة التي ترّبَى على يديها علماء الأمة والمرأة التاجرة صاحبة رؤوس الأموال. اللهم إلا أن الحجاب والسترة لم يزل دليلاً في العصور الإسلامية على شرف المرأة ومكانتها وارتبط بالحرائر لأنهن الأشد حرصًا ومتابعةً للصون والعفة من الإماء والجواري اللواتي كن عرضة للبيع والشراء لذا فقد خفف الحجاب عن الإماء كما في بعض الأحكام الشرعية في مقابل مضاعفة أجورهن عند الله تعالى.
ويرجع السبب في ربط التبرج بالعبودية إلى العلمانيين منذ نشأتهم حيث ربطوا الحرية الإنسانية بالحرية الجنسية وحصروا الحرية في إطار نظرة الذكر للأنثى وفي نطاق رأيه الذاتي عنها ومن ثم حدث الالتباس لدى الكثيرات من النساء وظننّ أن الحق مع هؤلاء خاصة أن الكثير من دعواتهم كانت مغرية ومختلطة وكلامهم في الأكثر حقٌّ يراد به الباطل وتلاعبوا بالألفاظ والتراكيب كما يتلاعبون بالبضائع في أسواق النخاسة.
كما ربطو الحرية بدعاوى المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء؛ إلا أن العدل ليس دومًا في المساواة فليس من العدل أن أساوي بين أخوين في الغذاء والدواء إذا كان واحداً منهما بديناً والآخر هزيلاً، وليس من العدل أن يتزين الرجل بالحلي والذهب كي يبدو جميلًا وسيمًا، فحرية الرجل تختلف في قيمتها ومفهومها عن حرية المرأة كل حسب خصائصه الخاصة التي وهبها الله له ولا تبديل لخلق الله.
والله تعالى لم يجعلنا جنساً واحدًا ولكن جعلنا زوجين وشقين يكمل بعضنا الآخر فالعلاقة بين الذكر والأنثى علاقة تكاملية توافقية مع احتفاظ كل من الجنسين بوظائفه وقدراته وليست علاقة تناظرية أوندية متوازية يتساوى فيها الطرفين في كل شيء. والحق أن الحرية الحقيقية تكمن في تقدير واحترام الحقوق وفي تطبيق العدل بمفهومه الصحيح على المستوى الفردي والمجتمعي معًا. فاحترام حقوقك كامرأة هي حرية واحترام حقوق الآخرين أيضًا حرية، والأولى من هذا هو الخضوع والطاعة لحقوق الرب تبارك وتعالى لأنه وحده المستحق بالعبادة والتوقير والتقديس.
وإن أردتِ فلتخلعي نعليك أيتها الطيبة الطاهرة لتدخلي إلى رحاب الله المقدس ولتنعمي بعبادته والإنابة إليه؛ حينها ستتذوقين حقًا طعم الحرية الخالصة التي لا تشوبها شائبة حين تتحرري من قيود القراصنة، ملوك الدعوات المغلفة التي لا دليل على صحتها ولا ضمان على نجاحها، وقراصنة الهوى والشهوات الذين يطرقون أبواب ضميرك بالقوة فإن استجبت رموك على قارعة طريق العدالة بلا حقوق ولا حريات .
اخلعي نعليك أختاه لا حجابك كي ستستشعري كيف هي الخصوصية والحرية الفردية حين لا يتحكم في رأيك مخلوق مثلك ولا يسيطر على عقلك عبد لا يختلف عنك إن لم يكن دونك فأخبريني إن كنت تعلمين عن نياتهم وتوجهاتهم ومن هؤلاء فبالله كيف هي أماناتهم وما حال معامالاتهم بين الناس، وأخبريني بالله ما نتائج فرضياتهم تلك التي يريدون أن يلزموك بها وما هي أهدافهم النبيلة السامية التي جاؤا من أجلها؟.
اخلعي نعليك لا حجابك أيتها الباحثة عن الحقوق فإن لكِ رب لا يُظلَم عنده أحد وقد كمل عدله فشمل الدنيا والآخرة وكملت قدرته وحق وعده للفائزين بالجنة والمقصرين بالنار.
وإن عبوديتك لله تضفي على ذاتك ثباتاً قدسياً مستمداً من أحكام علوية لا تبديل فيها ولا اختراع ونتائجها معلومة وعطاياها مضمونة وجوائزها مكتوبة لك في الدنيا قبل الآخرة.
اخلعي نعليك لا حجابك فإن العمر قصير والعمل كله تقصير لا يحتمل خسائر أكثر مما هي عليه، ولتشهدي موقفك وخليلاتك سعداء تحت ظل عرش الرحمن في يوم تحتاجين فيه لذاك الحجاب ستظلين به من شمس وسعير.
يقول تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} [الحج:30]؛ قال السعدي: (وحرمات الله: كل ماله حرمة، وأمر باحترامه، بعبادة أو غيرها، كالمناسك كلها، وكالحرم والإحرام، وكالهدايا، وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها، فتعظيمها إجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها، غير متهاون، ولا متكاسل، ولا متثاقل).