لم أفهم ولم يفهم ولن تفهم!
محمد جلال القصاص
حقيقة لا أدري؟، ولا أخالك تدري، بل ولا أخال النصارى يدرون...
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان (بولس) مع المسيح ـ عليه السلام ـ في ذات القرية (أورشليم)، وكانت يومها قرية، كان معه.. وكان قد رحل وانقطع لطلب العلم (الشرعي) من كبار علماء يهود (غمالائيل)؛ وكانت الأحداث ملتهبة؛ فثلاثة من الأنبياء يحيى وزكريا وعيسى في قرية واحدة... فقط قرية واحدة بها ثلاثة من الأنبياء، ويهود قد انقطعت للمسيح ـ عليه السلام ـ تريد أن تطفئ نور دعوته، وكان المسيح ـ عليه السلام ـ في حد ذاته حدثاً ملفتاً؛ إذ هو فضلا عن نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل بلا أب، ويجاهر بأنه نبي، وقد اجتمع الناس حوله بين محب ناصرٍ، ومبغض معادٍ.
ومع كل هذه المثيرات... مع قوة الأحداث... مع شخصية المسيح ـ عليه السلام ـ المثيرة ومع أن (بولس) كان في كنف كبير أعداء المسيح ـ عليه السلام ـ وكان متقدماً في اليهودية على كثيرٍ من قرنائه كما يقول هو: "14وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي" [غلاطية :1 :14]، مع كل هذا لم يتكلم (بولس) بأنه التقى المسيح ـ عليه السلام ـ أو سمع به... أحقاً لم يتلقه ولم يسمع به؟!
لم يُعطَ النصارني تعليلاً، ولو سألتَ أو سألتُ عن تعليلٍ فلن تجد ولن أجد، فلم يفهم، ولم أفهم ولن تفهم سبباً مقنعاً يجعل هذه الفترة غامضة في حياة (بولس)، وسأتلو عليك بعد قليل ما حدث فأمهلني وأعِرني أذناً وقلباً.
عاش بولس مجرماً [3 يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ" كما يقول كاتب سفر [أعمال الرسل : 8 :3]، ويقول عن نفسه: "13فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا" [غلاطية: 1: 13].
ثم بين عشية وضحاها ادعى (بولس) أن المسيح ظهر له وأخبره بأنه هو الله ـ جل الله عما يقول بولس وأتباعه ـ وأرسله رسولاً للعالمين، ويروي قصةً لم يشهد له فيها غيره.. نعم لم يشهد له فيها غيره أعي ما أقول تماماً، ولو تدبرت علمتَ أن كل الذين تكلموا عن القصة ينقلون كلامه.. وعلمتَ أنه كان مع نفرٍ كثير (في قافلة) ومع ذلك لم يشهد منهم أحد ولم يستشهد هو منهم أحد.. ولو تدبرت في روايات القصة ـ وهي من راوٍ واحد (بولس) في سفرٍ واحدٍ (أعمال الرسل) ـ وجدتها متضاربة، يكذب بعضها بعضاً.
فبولس كذَّاب ولو كان صادقاً ما تضاربت أقواله وهو يحكي في مجلسٍ (سِفْرٍ) واحد، ولو كان صادقاً لوجد من يشهد له أو لاستشهد من زعم حضورهم.
وتستيقن من كذبه حين تعلم حاله بعد هذه القصة المزعومة، يقولون: خرج للعربية، ويفسرونها بأنها الصحراء، واختلى هناك ثلاث سنين، ولم يقدم تفسيراً لخلوته الطويلة هذه، ولا إخباراً لما كان يصنع فيها!!... عجيب...
ما أعرفه أن الرسل يكونون من الأخيار وليس من الفجرة الأشرار، وأن الرسالة تسبق بفترة إعداد للرسول، وما أعرفه أن كلَّ رسولٍ يُبَلغ برسالة أيا كان مرسله بشر أو رب البشر ينشط لإبلاغها، أتُرْسَلُ في مهمة إلى نفرٍ ثم تجلس ثلاث سنين ولا تذهب إليهم؟!
لا أفهم سبباً لهذا الهمود والركون بعد الإرسال المزعوم، وقد سألتُ فلم أفهم من قولهم شيئاً سوى أنها حجج قبيحة رديئة يلقون بها في وجه من يتكلم كي يسكت أو ينشغل فيمَلُّ ويرحل .ولا تسأل فلن تفهم!!
وسأتلو عليك السبب الحقيقي ـ بحول الله وقوته ـ في نهاية مقالي، فلا تعجلني وأعرني أذناً وقلباً.
و(بولس) لم يتخلَّ عن صفاته الأولى التي كانت فيه وفي إخوانه اليهود (الفريسيين) تحديداً، يوم بعث فيهم المسيح ـ عليه السلام ـ، فقد ظل كذاباً يفاخر بالكذب [أعمال 23/6] وانظر [أعمال 22/25-29] و كرونثوس1 [10: 33]، وانظر (أعمال: 28: 30) وقارنها بـ( أعمال 18: 16، 17)، وكان ينافق السلاطين رومية [13: 1 ـ 7]، ويتلون لمن يصغي إليه كي يقبله ويمتدحه يقول في كرونثوس الثانية [12: 11]: "قَدْ صِرْتُ غَبِيًّا وَأَنَا أَفْتَخِرُ. أَنْتُمْ أَلْزَمْتُمُونِي! لأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أُمْدَحَ مِنْكُمْ"، كان يلبس لكل قومٍ لبوسهم، والغاية كما يقول هو أن يكون شريكاً في الإنجيل. كرونثوس1[ 9 : 19 ].
وفوق هذا كله كان متسلطاً على من تبعه لا يقبل النقاش [2 كرو: 11: 4 ـ 5 ] وفيلبي [2: 14 ]، وكان بولس ـ وركز مع هذه ـ شريراً مسكوناً بشيء يُسيره على عكس مراده: في رومية [7: 15]. 15 لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ... 18 فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. 19 لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. 20
وبولس كان يتكلم من تلقاء نفسه، ويصرح بذلك" 17الَّذِي أَتَكَلَّمُ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ بِحَسَبِ الرَّبِّ" [كرونثوس 2: 11: 17]. (10أُعْطِي رَأْياً فِي هَذَا أَيْضاً ...) [كرونثوس الثانية: 8: 10]. ( 12وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ الرَّبُّ: ...) [كرونثوس 1: 7 :12]، (25 وَأَمَّا الْعَذَارَى فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْياً كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِيناً. 26فَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا حَسَنٌ لِسَـَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ. أَنَّهُ حَسَـنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هَـكَذَا) [1 كورنثوس 7/25-26].
ولاحظ أن الكلام هنا تشريع وليس مجرد فض مشاكل.
ونسأل: الرجل يتكلم من أمّ رأسه (لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ بِحَسَبِ الرَّبِّ )، (أُعْطِي رَأْياً)، (أَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ الرَّبُّ)، (وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْياً )..
(بولس) يقول أنه يتكلم من رأسه.. برأيه.. والنصارى يصرون على أنه يتكلم بروح القدس، ولا أدري من أين أتاهم هذا الإصرار؟!
ورسائل (بولس) كانت رسائل شخصية، سلامات وقبلات (مقدسة) كما في [كور1 :16] 20 (سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ)، إصحاحات كاملة يتكلم فيها (بولس) بكلام (المصاطب) مع أصدقائه، فلم هو كلام (مقدس)؟
حقيقة لا أدري؟، ولا أخالك تدري، بل ولا أخال النصارى يدرون...
و(بولس) تطاول على الله رب العالمين، وادعى أن لله جهالة، ثم يعتذر بأنها أعلم من البشر!! كرونثوس [1: 25].
والذي يكاد يذهب بعقلي أن (بولس) معاصر للمسيح ـ عليه السلام ـ ونقض كل تعاليم المسيح ـ عليه السلام ـ، المسيح ما قال يوماً أنه هو الله، ولا ابن الله ـ بنوة نسب ـ ولا لاهوت وناسوت، ما تكلم عن شيء من هذا قط، ثم جاء (بولس) بعده بأيام قليلة وقال أنه هو الله!!
والمسيح ـ عليه السلام ـ كلمهم بأن النجاة من عذاب الله تكون بالأعمال وليس فقط بمجرد التصديق (الإيمان)، ثم جاء (بولس) وقال لا نجاة بالأعمال وإنما بالإيمان!!
والمسيح ـ عليه السلام ـ أرسل لبني إسرائيل خاصة، ثم جاء (بولس) وجعل الرسالة عامة!!
والمسيح ـ عليه السلام ـ جاء بالختان، وكان مختتناً ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم جاء (بولس)، وحرَّم على القوم الختان!!
والمسيح ـ عليه السلام ـ أكد مراراً على أنه ما جاء لينقض شريعة موسى ـ عليه السلام ـ وإنما جاء ليتمم، وبولس نقض العهد القديم كله ما جاء على يد موسى ـ عليه السلام ـ ومَن بعده من أنبياء الله الكرام ـ صلوات الله وتسليماته عليهم ـ.
ولم يكتفِ بهذا (بولس) بل تطاول على شخص المسيح ـ عليه السلام ـ فوصف تعاليم المسيح بأنها نقص طالباً من أصحابه أن يتركوها ويلتزموا كلامه [العبرانيين 6: 1] ، وتكلم بأن المسيح ـ عليه السلام ـ صار لعنة من أجله هو ومن تبعه!!، وأن المسيح ـ عليه السلام ـ صار جهنماً قد نزل إلى الجحيم وولجه من أجلهم، وهو كلام مشهور عندهم يرددونه في ما يعرف بـ (قانون الإيمان)، ويزعمون أن دخول المسيح للجحيم كان تواضعا وتخليصا للأشرار!!
وتلاميذ المسيح ـ عليه السلام ـ لم يقبلوا (بولس)، التقاهم مرتين وحاول أن يتحدث إليهم بما يتكلم به فطردوه ولم يتبعه أحد منهم، فتطاول عليهم وغرف لهم شيئاً من الوسخ الذي يملئ جوفه إذ وصفهم بـ (الكذبة) و(بالكلاب) و (فَعَلة الشر) وأن نهايتهم الهلاك، وأمر أتباعه أن يقتدوا به هو لا بهم.. يقول: "2 اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ. انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ. ... 18 لأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَارًا، وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ، 19 الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ. 20".
وفي رسالته الأولى إلى تيميثاوس (6: 3 ـ 5) يصفهم بانهم لا يفهمون شيئاً وأنهم (فَاسِدِي الذِّهْنِ وَعَادِمِي الْحَقِّ).
وهذا حاله كيف صار (رسولاً)، هل تفهم لهذا سبباً مقنعاً؟
لا إِخَالُك، وقد كنت مثلك، ولكني مشيت ورائه عامين متتاليين أتتبعه حتى عرفت القصة وها أنذا أتلوها عليك باختصار:
(بولس) يهودي حاقد، وزكي نابه، ومدرب على أعلى المستويات، علمه كبير اليهود في زمانه. أراد هذا الخبيث الثائر أن يهدم النصرانية من الخارج بالتسلط على المسيح ـ عليه السلام ـ ثم تلاميذ المسيح ـ عليه السلام ـ بالعصا فلم يستطع، فيقيني أنه التقى المسيح ـ عليه السلام ـ وأن المسيح بشر من تبعه بأن هذا هو الذي سيغير الملة، وقال عنه أنه يدعى أصغر في ملكوت السموات، والبشارة مشهورة معروفة، ولم يكن (بولس) قد تسمى باسم (بولس) بعد، وهو يعني حقير (أصغر).
لم يستطع (بولس) هدم النصرانية من الخارج فدخل النصرانية وهدمها من الداخل، وهي طريقة قديمة، ولعلَّك تذكر ما فعل ابن السوداء (عبد الله بن سبأ).. ذات الخطوات التي فعلها بولس، ويدلك على هذا أن (بولس) كان حين ينزل قرية يبدأ بيهود، ينزل عليهم أياما ثم يسرح في القرية كما يشاء آمناً، يفهمهم حاله وأنه معهم وليس عليهم فلا يعترضوه إلا قليلا كي (يلمعوه) في نظر السذج.
وهذا حاله تسلط عليه إبليس فوسوس له بفكرة تكررت قبله أكثر من عشر مرات، كما يقولون هم، وهي فكرة تجسد الإله ومن ثَمَّ صلبه من أجل الفداء، وهي فكرة تتمحور حول إخراج العمل من الإيمان، تهدف إلى أن لا تكون الطاعة لله، أن لا يكون المرء عبداً لله، بل حراً من الأمر والنهي، يعبد (ينقاد) (يطيع) البشر، يصير العبد رباً مطاعاً، وينحرف العبيد عن عبادة الله لعبادة البشر أو قل الشيطان في الحقيقة المتسلط على البشر.
ولا تحسب أنني أهذي أو القي بكلامٍ بلا دليل، فلولا أن المقام مقال لبسطت القول وأحضرت لك من الشواهد ما يثلج صدرك، وقد عرضت شيئاً من هذا في مقالين سابقين (دور الشيطان في تحريف الأديان)، و (قراءة في عقلية إبليس)، وهناك بحث للعميد جمال الشرقاوي يثبت فيه بأكثر من دليل بأن (بولس) كان مسكوناً بالشياطين تملي عليه وتحركه.
(بولس) مات ذليلاً لم يتبعه إلا فرد أو فردان هنا وهناك، ثم قتل ذليلا بلا ناصر ولا معين، ودفن تحت ركام الأيام، وبعد دخول الوثنين، واحتدام الخلاف بين الموحدين من أتباع المسيح ـ عليه السلام ـ والوثنين كانت المجامع (المقدسة)، وتم النبش عن شيء مقبول يخلط بين الوثنية وشيء من التوقير الكاذب للمسيح ـ عليه السلام ـ ومن هنا كان (بولس) مناسباً، وكانت هذه الأناجيل الأربعة دون غيرها من عشرات الأناجيل التي كتبت مناسبة، وبهذا خلعت القداسة على (بولس) وعلى رسائله التي يشك في نسبة عددا منها إليه، وتم تأليف الدين الجديد على يد المجامع، ولا زالت المجامع هي التي تؤلف الدين، فما يفعله النصارى شيء، وما يقوله كتابهم الذي في أيديهم شيء آخر.
هذا ما أفهمه، وهو ما أحسبك تفهمه، وما أحسب أن النصارى لو أنصفوا سيفهموه ويقبلوه.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان (بولس) مع المسيح ـ عليه السلام ـ في ذات القرية (أورشليم)، وكانت يومها قرية، كان معه.. وكان قد رحل وانقطع لطلب العلم (الشرعي) من كبار علماء يهود (غمالائيل)؛ وكانت الأحداث ملتهبة؛ فثلاثة من الأنبياء يحيى وزكريا وعيسى في قرية واحدة... فقط قرية واحدة بها ثلاثة من الأنبياء، ويهود قد انقطعت للمسيح ـ عليه السلام ـ تريد أن تطفئ نور دعوته، وكان المسيح ـ عليه السلام ـ في حد ذاته حدثاً ملفتاً؛ إذ هو فضلا عن نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل بلا أب، ويجاهر بأنه نبي، وقد اجتمع الناس حوله بين محب ناصرٍ، ومبغض معادٍ.
ومع كل هذه المثيرات... مع قوة الأحداث... مع شخصية المسيح ـ عليه السلام ـ المثيرة ومع أن (بولس) كان في كنف كبير أعداء المسيح ـ عليه السلام ـ وكان متقدماً في اليهودية على كثيرٍ من قرنائه كما يقول هو: "14وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي" [غلاطية :1 :14]، مع كل هذا لم يتكلم (بولس) بأنه التقى المسيح ـ عليه السلام ـ أو سمع به... أحقاً لم يتلقه ولم يسمع به؟!
لم يُعطَ النصارني تعليلاً، ولو سألتَ أو سألتُ عن تعليلٍ فلن تجد ولن أجد، فلم يفهم، ولم أفهم ولن تفهم سبباً مقنعاً يجعل هذه الفترة غامضة في حياة (بولس)، وسأتلو عليك بعد قليل ما حدث فأمهلني وأعِرني أذناً وقلباً.
عاش بولس مجرماً [3 يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ" كما يقول كاتب سفر [أعمال الرسل : 8 :3]، ويقول عن نفسه: "13فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا" [غلاطية: 1: 13].
ثم بين عشية وضحاها ادعى (بولس) أن المسيح ظهر له وأخبره بأنه هو الله ـ جل الله عما يقول بولس وأتباعه ـ وأرسله رسولاً للعالمين، ويروي قصةً لم يشهد له فيها غيره.. نعم لم يشهد له فيها غيره أعي ما أقول تماماً، ولو تدبرت علمتَ أن كل الذين تكلموا عن القصة ينقلون كلامه.. وعلمتَ أنه كان مع نفرٍ كثير (في قافلة) ومع ذلك لم يشهد منهم أحد ولم يستشهد هو منهم أحد.. ولو تدبرت في روايات القصة ـ وهي من راوٍ واحد (بولس) في سفرٍ واحدٍ (أعمال الرسل) ـ وجدتها متضاربة، يكذب بعضها بعضاً.
فبولس كذَّاب ولو كان صادقاً ما تضاربت أقواله وهو يحكي في مجلسٍ (سِفْرٍ) واحد، ولو كان صادقاً لوجد من يشهد له أو لاستشهد من زعم حضورهم.
وتستيقن من كذبه حين تعلم حاله بعد هذه القصة المزعومة، يقولون: خرج للعربية، ويفسرونها بأنها الصحراء، واختلى هناك ثلاث سنين، ولم يقدم تفسيراً لخلوته الطويلة هذه، ولا إخباراً لما كان يصنع فيها!!... عجيب...
ما أعرفه أن الرسل يكونون من الأخيار وليس من الفجرة الأشرار، وأن الرسالة تسبق بفترة إعداد للرسول، وما أعرفه أن كلَّ رسولٍ يُبَلغ برسالة أيا كان مرسله بشر أو رب البشر ينشط لإبلاغها، أتُرْسَلُ في مهمة إلى نفرٍ ثم تجلس ثلاث سنين ولا تذهب إليهم؟!
لا أفهم سبباً لهذا الهمود والركون بعد الإرسال المزعوم، وقد سألتُ فلم أفهم من قولهم شيئاً سوى أنها حجج قبيحة رديئة يلقون بها في وجه من يتكلم كي يسكت أو ينشغل فيمَلُّ ويرحل .ولا تسأل فلن تفهم!!
وسأتلو عليك السبب الحقيقي ـ بحول الله وقوته ـ في نهاية مقالي، فلا تعجلني وأعرني أذناً وقلباً.
و(بولس) لم يتخلَّ عن صفاته الأولى التي كانت فيه وفي إخوانه اليهود (الفريسيين) تحديداً، يوم بعث فيهم المسيح ـ عليه السلام ـ، فقد ظل كذاباً يفاخر بالكذب [أعمال 23/6] وانظر [أعمال 22/25-29] و كرونثوس1 [10: 33]، وانظر (أعمال: 28: 30) وقارنها بـ( أعمال 18: 16، 17)، وكان ينافق السلاطين رومية [13: 1 ـ 7]، ويتلون لمن يصغي إليه كي يقبله ويمتدحه يقول في كرونثوس الثانية [12: 11]: "قَدْ صِرْتُ غَبِيًّا وَأَنَا أَفْتَخِرُ. أَنْتُمْ أَلْزَمْتُمُونِي! لأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أُمْدَحَ مِنْكُمْ"، كان يلبس لكل قومٍ لبوسهم، والغاية كما يقول هو أن يكون شريكاً في الإنجيل. كرونثوس1[ 9 : 19 ].
وفوق هذا كله كان متسلطاً على من تبعه لا يقبل النقاش [2 كرو: 11: 4 ـ 5 ] وفيلبي [2: 14 ]، وكان بولس ـ وركز مع هذه ـ شريراً مسكوناً بشيء يُسيره على عكس مراده: في رومية [7: 15]. 15 لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ... 18 فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. 19 لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. 20
وبولس كان يتكلم من تلقاء نفسه، ويصرح بذلك" 17الَّذِي أَتَكَلَّمُ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ بِحَسَبِ الرَّبِّ" [كرونثوس 2: 11: 17]. (10أُعْطِي رَأْياً فِي هَذَا أَيْضاً ...) [كرونثوس الثانية: 8: 10]. ( 12وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ الرَّبُّ: ...) [كرونثوس 1: 7 :12]، (25 وَأَمَّا الْعَذَارَى فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْياً كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِيناً. 26فَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا حَسَنٌ لِسَـَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ. أَنَّهُ حَسَـنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هَـكَذَا) [1 كورنثوس 7/25-26].
ولاحظ أن الكلام هنا تشريع وليس مجرد فض مشاكل.
ونسأل: الرجل يتكلم من أمّ رأسه (لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ بِحَسَبِ الرَّبِّ )، (أُعْطِي رَأْياً)، (أَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ الرَّبُّ)، (وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْياً )..
(بولس) يقول أنه يتكلم من رأسه.. برأيه.. والنصارى يصرون على أنه يتكلم بروح القدس، ولا أدري من أين أتاهم هذا الإصرار؟!
ورسائل (بولس) كانت رسائل شخصية، سلامات وقبلات (مقدسة) كما في [كور1 :16] 20 (سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ)، إصحاحات كاملة يتكلم فيها (بولس) بكلام (المصاطب) مع أصدقائه، فلم هو كلام (مقدس)؟
حقيقة لا أدري؟، ولا أخالك تدري، بل ولا أخال النصارى يدرون...
و(بولس) تطاول على الله رب العالمين، وادعى أن لله جهالة، ثم يعتذر بأنها أعلم من البشر!! كرونثوس [1: 25].
والذي يكاد يذهب بعقلي أن (بولس) معاصر للمسيح ـ عليه السلام ـ ونقض كل تعاليم المسيح ـ عليه السلام ـ، المسيح ما قال يوماً أنه هو الله، ولا ابن الله ـ بنوة نسب ـ ولا لاهوت وناسوت، ما تكلم عن شيء من هذا قط، ثم جاء (بولس) بعده بأيام قليلة وقال أنه هو الله!!
والمسيح ـ عليه السلام ـ كلمهم بأن النجاة من عذاب الله تكون بالأعمال وليس فقط بمجرد التصديق (الإيمان)، ثم جاء (بولس) وقال لا نجاة بالأعمال وإنما بالإيمان!!
والمسيح ـ عليه السلام ـ أرسل لبني إسرائيل خاصة، ثم جاء (بولس) وجعل الرسالة عامة!!
والمسيح ـ عليه السلام ـ جاء بالختان، وكان مختتناً ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم جاء (بولس)، وحرَّم على القوم الختان!!
والمسيح ـ عليه السلام ـ أكد مراراً على أنه ما جاء لينقض شريعة موسى ـ عليه السلام ـ وإنما جاء ليتمم، وبولس نقض العهد القديم كله ما جاء على يد موسى ـ عليه السلام ـ ومَن بعده من أنبياء الله الكرام ـ صلوات الله وتسليماته عليهم ـ.
ولم يكتفِ بهذا (بولس) بل تطاول على شخص المسيح ـ عليه السلام ـ فوصف تعاليم المسيح بأنها نقص طالباً من أصحابه أن يتركوها ويلتزموا كلامه [العبرانيين 6: 1] ، وتكلم بأن المسيح ـ عليه السلام ـ صار لعنة من أجله هو ومن تبعه!!، وأن المسيح ـ عليه السلام ـ صار جهنماً قد نزل إلى الجحيم وولجه من أجلهم، وهو كلام مشهور عندهم يرددونه في ما يعرف بـ (قانون الإيمان)، ويزعمون أن دخول المسيح للجحيم كان تواضعا وتخليصا للأشرار!!
وتلاميذ المسيح ـ عليه السلام ـ لم يقبلوا (بولس)، التقاهم مرتين وحاول أن يتحدث إليهم بما يتكلم به فطردوه ولم يتبعه أحد منهم، فتطاول عليهم وغرف لهم شيئاً من الوسخ الذي يملئ جوفه إذ وصفهم بـ (الكذبة) و(بالكلاب) و (فَعَلة الشر) وأن نهايتهم الهلاك، وأمر أتباعه أن يقتدوا به هو لا بهم.. يقول: "2 اُنْظُرُوا الْكِلاَبَ. انْظُرُوا فَعَلَةَ الشَّرِّ. ... 18 لأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَارًا، وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ، 19 الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ. 20".
وفي رسالته الأولى إلى تيميثاوس (6: 3 ـ 5) يصفهم بانهم لا يفهمون شيئاً وأنهم (فَاسِدِي الذِّهْنِ وَعَادِمِي الْحَقِّ).
وهذا حاله كيف صار (رسولاً)، هل تفهم لهذا سبباً مقنعاً؟
لا إِخَالُك، وقد كنت مثلك، ولكني مشيت ورائه عامين متتاليين أتتبعه حتى عرفت القصة وها أنذا أتلوها عليك باختصار:
(بولس) يهودي حاقد، وزكي نابه، ومدرب على أعلى المستويات، علمه كبير اليهود في زمانه. أراد هذا الخبيث الثائر أن يهدم النصرانية من الخارج بالتسلط على المسيح ـ عليه السلام ـ ثم تلاميذ المسيح ـ عليه السلام ـ بالعصا فلم يستطع، فيقيني أنه التقى المسيح ـ عليه السلام ـ وأن المسيح بشر من تبعه بأن هذا هو الذي سيغير الملة، وقال عنه أنه يدعى أصغر في ملكوت السموات، والبشارة مشهورة معروفة، ولم يكن (بولس) قد تسمى باسم (بولس) بعد، وهو يعني حقير (أصغر).
لم يستطع (بولس) هدم النصرانية من الخارج فدخل النصرانية وهدمها من الداخل، وهي طريقة قديمة، ولعلَّك تذكر ما فعل ابن السوداء (عبد الله بن سبأ).. ذات الخطوات التي فعلها بولس، ويدلك على هذا أن (بولس) كان حين ينزل قرية يبدأ بيهود، ينزل عليهم أياما ثم يسرح في القرية كما يشاء آمناً، يفهمهم حاله وأنه معهم وليس عليهم فلا يعترضوه إلا قليلا كي (يلمعوه) في نظر السذج.
وهذا حاله تسلط عليه إبليس فوسوس له بفكرة تكررت قبله أكثر من عشر مرات، كما يقولون هم، وهي فكرة تجسد الإله ومن ثَمَّ صلبه من أجل الفداء، وهي فكرة تتمحور حول إخراج العمل من الإيمان، تهدف إلى أن لا تكون الطاعة لله، أن لا يكون المرء عبداً لله، بل حراً من الأمر والنهي، يعبد (ينقاد) (يطيع) البشر، يصير العبد رباً مطاعاً، وينحرف العبيد عن عبادة الله لعبادة البشر أو قل الشيطان في الحقيقة المتسلط على البشر.
ولا تحسب أنني أهذي أو القي بكلامٍ بلا دليل، فلولا أن المقام مقال لبسطت القول وأحضرت لك من الشواهد ما يثلج صدرك، وقد عرضت شيئاً من هذا في مقالين سابقين (دور الشيطان في تحريف الأديان)، و (قراءة في عقلية إبليس)، وهناك بحث للعميد جمال الشرقاوي يثبت فيه بأكثر من دليل بأن (بولس) كان مسكوناً بالشياطين تملي عليه وتحركه.
(بولس) مات ذليلاً لم يتبعه إلا فرد أو فردان هنا وهناك، ثم قتل ذليلا بلا ناصر ولا معين، ودفن تحت ركام الأيام، وبعد دخول الوثنين، واحتدام الخلاف بين الموحدين من أتباع المسيح ـ عليه السلام ـ والوثنين كانت المجامع (المقدسة)، وتم النبش عن شيء مقبول يخلط بين الوثنية وشيء من التوقير الكاذب للمسيح ـ عليه السلام ـ ومن هنا كان (بولس) مناسباً، وكانت هذه الأناجيل الأربعة دون غيرها من عشرات الأناجيل التي كتبت مناسبة، وبهذا خلعت القداسة على (بولس) وعلى رسائله التي يشك في نسبة عددا منها إليه، وتم تأليف الدين الجديد على يد المجامع، ولا زالت المجامع هي التي تؤلف الدين، فما يفعله النصارى شيء، وما يقوله كتابهم الذي في أيديهم شيء آخر.
هذا ما أفهمه، وهو ما أحسبك تفهمه، وما أحسب أن النصارى لو أنصفوا سيفهموه ويقبلوه.
المصدر: طريق الإسلام