خطوات في التربية - (19) لماذا نعبد الله؟

منذ 2015-05-03

كما أن كمالات الله تعالى لا يحيط بها أحد، فكذلك الثناء عليه لا يحيط به أحد ولا يحصيه فيأتي على آخره، ولا يكافئه أحدٌ، روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمستُه، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»".

الله خير من كل شيء..
في الأثر أيضًا: "عن فضيل بن عياض قال: وهب بن منبه أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي، وما يكابد المكابدون في طلب مرضاتي، فكيف بهم إذا صاروا إلى داري وتبحبحوا في رياض رحمتي؟ هنالك فليبشر المصفون لله أعمالهم بالنظر العجيب من الحبيب القريب، أتراني أنسى لهم عملًا؟ فكيف وأنا ذو الفضل العظيم، أجود على المولين عني فكيف بالمقبلين عليّ، وما غضبت على شيء كغضبي على من أخطأ خطيئة فاستعظمها في جنب عفوي، ولو تعاجلتُ بالعقوبة أحدًا وكانت العجلة من شأني لعاجلت القانطين من رحمتي.." [1].

وما لا نعلمه من كمالات الله تعالى أضعاف أضعاف ما نعلمه، وأن لله تعالى الكمال كله وفوق الكمال، وقد قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110]، فلا يحيط أحدٌ بالله تعالى، حتى أكرم الخلق عليه، رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيفتح عليه يوم القيامة بمحامد يثنى بها على ربه تعالى عند الشفاعة العظمى لم يكن يحسنها في الدنيا، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وما من كمال إلا وفوقه كمال آخر، والكمال المطلق الذي لا غاية فوقه لله تعالى.. فإن الكمال المطلق محال لغير ذي الجلال" [2].

وكما أن كمالات الله تعالى لا يحيط بها أحد، فكذلك الثناء عليه لا يحيط به أحد ولا يحصيه فيأتي على آخره، ولا يكافئه أحدٌ، روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمستُه، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»" [3].

روى الطبراني عن جابر بن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ملك ساجد، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعًا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أن لم نشرك بك شيئًا» [4].

- ومن أراد أن يعرف أفعاله عرفها من قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود من الآية:56]، فكل أفعاله دائرة على أمرين: العدل، والفضل.

ومعنى {إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}: "أي: مع كونه سبحانه آخذًا بنواصي خلقه وتصريفهم كما يشاء فهو على صراط مستقيم لا يتصرف فيهم إلابالعدل والحكمة والإحسان والرحمة" [5]، "فهو على صراط مستقيم وهو العدل الذي يتصرف به فيهم، فهو على صراط مستقيم، فيقول هو فعله وقضائه وقدره وأمره ونهيه،  وثوابه وعقابه فخبره كله صدق وقضاؤه كله عدل، وأمره كله مصلحة، والذي نهى عنه كله ومفسدة،  وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته" [6].

فهو تعالى في حُكمه الشرعي، وفي قدَره وخلْقه، على الحق؛ إما عدل وإما فضل، فكل أفعاله وأقداره وشرعه بين العدل والفضل، ولا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والحمد؛ فلا يخاف أحدٌ ظلمًا من ربه فيكتب عليه ذنبًا لم يفعله ولا يحمله عقوبته لذنب لم يقترفه، ولا يخاف هضمًا لحسناته، وإنما يجب أن يخشى العبد ظلم نفسه لنفسه، ويخشى أن ينقصها هو حقها وحظها بمخالفته أمر ربه والبعد عنه تعالى.

ولا يخاف المؤمن أن يخذله الله تعالى طالما كان مستقيمًا على أمره: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران من الآية:120]، ولا يظن أن يُديل الله تعالى عليه الكفار إدالة استقرار تضيّع الحق وتخذله في الدنيا والآخرة، بل إن الكافر لا يدخل النار حتى يُعذر من قبل نفسه، ولا يجد لنفسه حجة يدلي بها على الله تعالى، ولا يعذبه الله تعالى إلا بعد إقامة حججه وبيناته عليه، وتلك الحجج في فطرة العبد وعلى ألسنة رسله تعالى.

"ثم أخبر هود عليه السلام أنه سبحانه على صراط مستقيم، فكل مايقضيه ويقدره فلا يخاف العبد جوره ولا ظلمه، فلا أخاف ما دونه، فإن ناصيته بيده ولا أخاف جوره وظلمه فإنه على صراط مستقيم، وهو سبحانه ماض في عبده حكمه، عدل في قضائه، له الملك وله الحمد، لا يخرج في تصرفه في عباده عن العدل والفضل، إن أُعطي وأُكرم وهُدي ووفق فبفضله ورحمته، وإن منع وأهان وأضل وخذل وشقي فبعدله وحكمته، وهو على صراط مستقيم في هذا وهذا" [7]، "فهو كونه يقول  الحق ويفعل الصواب فكلماته صدق وعدل كله صواب وخير، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، فلا يقول إلا ما يحمد عليه لكونه حقًا وعدلاً، وصدقًا وحكمة في نفسه" [8].

"فلا يخذل من توكل عليه وآمن به، ولا يشمت به أعدائه ولا يكون معهم عليه، فإن صراطه المستقيم الذي هو عليه فيقول هو فعله يمنع ذلك ويأباه،  وتحت هذا الخطاب أن من صراطه المستقيم أن ينتقم ممن خرج عنه وعمل بخلافه، وينزل به بأسه فإن الصراط المستقيم هو العدل الذي عليه الرب تعالى، ومنه انتقامه من أهل الشرك والإجرام، ونصره أولياءه ورسله على أعدائهم وأنه يذهب بهم ويستخلف قومًا غيرهم، ولايضره ذلك، شيئًا وأنه القائم سبحانه على كل شيء حفظًا ورعاية وتدبيًرا وإحصاء" [9].

هذه بعض الإشارات لمن له الكمال كل الكمال والجمال كل الجمال والجلال كل الجلال، والرحمة والعظمة، المحمود دائمًا لذاته ولأفعاله ولأسمائه وصفاته لأحكامه.

فهل أحد أوْلى بالعبودية منه تعالى؟ وهل أوْلى بالطاعة أو المحبة أو التعظيم منه تعالى؟ وهل أوْلى بالتزام منهجه مع الثقة فيه غيره تعالى؟ سبحان الله عما يصفون، وتعالى عما يشركون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] حلية الأولياء، جـ4، ص 60، رقم 510. وهذا الأثر سيق ـ على ضعفه ـ للاستئناس لا للاستدلال، وقد استأنس به الإمام ابن القيم، انظر شفاء العليل ج1 ً 239، عدة الصابرين ج1 ً 35، وروضة المحبين ج1 ً 460.
[2] الرد على البكري، جـ2، ص 635.
[3] صحيح مسلم، جـ1، ص 352. ومعنى «لا أحصي ثناء عليك» أي لا أطيقه ولا آتي عليه، وقيل لا أحيط به، وقال مالك رحمه الله تعالى: "معناه لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك".

[4] المعجم الكبير، جـ2، ص 184، رقم 1751.
[5]زاد المعاد [جزء4، صفحة 185]. 
[6]الفوائد [جزء1، صفحة 23].
[7]الجواب الكافي [جزء1، صفحة 147]. 
[8]شفاء العليل [جزء1، صفحة 201].
[9]مدارج السالكين [جزء3، صفحة 465].

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 1
  • 2,165
المقال السابق
(18) لماذا نعبد الله؟
المقال التالي
(20) اليقين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً