(15) لماذا نعبد الله؟
مدحت القصراوي
الله تعالى يستحق العبودية لِما خلق وأعطى، ولأنه القيوم على خلقه، ولأن خلقه راجع إليه، لكنه سبحانه يستحق العبودية لأنه خير وأكرم وأشرف من كل شيء سبحانه وتعالى، فلا أحد يستحق أن يقصد لِذاته إلا هو تعالى، جُبلت النفوس وفطرت القلوب وطبعت الأرواح على الانجذاب نحو الكمال والخير، وكل ما في الوجود من خير أو حق فهو من الله..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
نعبد الله لأنه خير من كل شيء..
الإنسان بطبعه عابد، فلا بد أن يعطِي طاعته وتوجهه، ويبذل حبه وذله، ويحقق مقصوده واتجاهه، وسعيه وكده وحفده، لا بد أن يعطيه لأحد ما، وهو إما أن يتوجه به إلى هواه وشهوته، كبرًا أو اشتهاءً وسقوطًا، وإما أن يعطيه لمخلوق بشري، أو ما دونه من حيوان، أو ما لا يعقل ولا يشعر.. وإما أن يعطيها لله تعالى.
والله تعالى يستحق العبودية لِما خلق وأعطى، ولأنه القيوم على خلقه، ولأن خلقه راجع إليه، لكنه سبحانه يستحق العبودية لأنه خير وأكرم وأشرف من كل شيء سبحانه وتعالى، فلا أحد يستحق أن يقصد لِذاته إلا هو تعالى، جُبلت النفوس وفطرت القلوب وطبعت الأرواح على الانجذاب نحو الكمال والخير، وكل ما في الوجود من خير أو حق فهو من الله، ولاتصاله به تعالى واستمداده منه استمد ما فيه من خير وحق وجمال وكمال.
وكل جمال وكمال وعظمة وخيرية في الوجود فهي من آثار صفات الله تعالى ومقتضاها.
فإن نظرت في الوجود فوجدت خيرًا أو حقًا أو جمالاً أو كمالاً، فاعلم أنه من الله، واعلم أن الله أوْلى بصفات الحق والخير والجمال والكمال من هذا المخلوق، على النحو الذي يليق بجلاله تعالى، فإن بحثت عن خير شيء وأكمل شيء وأجمل شيء وأبهى شيء، وأعظم شيء وأعلى شيء وأقرب شيء وأرحم شيء وأعدل شيء فهو الله تعالى لا شريك له.
وقد قال تعالى يسألنا: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل من الآية:29]، وهو سؤال تقريري، وقد قال سحرة فرعون لما آمنوا، بل ويلت مع الإيمان في قلوبهم وهم يستقبلون الآخرة شهداء بررة ويودعون الدنيا، يقولون لفرعون: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه من الآية:73]، هذا هو مأخذ المؤمن وشعوره.
تطلع ببصرك إلى أي كمال أو جمال وابحث ما تشاء، ستصل إلى أي جمال ما في أي مخلوق لكن لن يستقر قلبك عنده، سيبحث عن شيء أعلى، وسيبقى كذلك، ذلك لأنه فُطر على طلب نهاية الكمال، "وهو سبحانه في محبته ورضاه ومقته وسخطه وفرحه وأسفه وصبره وعفوه ورأفته له الكمال الذي لا تدركه الخلائق وفوق الكمال؛ إذ كل كمال فمن كماله يستفاد، وله الثناء الحسن الذي لا تحصيه العباد وإنما هو كما أثنى على نفسه، له الغِنى الذي لا يفتقر إلى سواه {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا . لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:93-]" (مجموع الفتاوى، جـ11، ص361).
"..فإن الكمال الثابت ليس محدودًا يعلمه الناس كلهم، وما من كمال إلا وفوقه كمال آخر، والكمال المطلق الذي لا غاية فوقه لله تعالى، فإن الكمال المطلق محال لغير ذي الجلال" (الرد على البكري، جـ2، ص635)، ولذا فمن عرفه أحبه، بل استغرق في حبه، بل تقطعت نفوس شوقًا إليه تعالى، ومن نظر في مخلوقاته أثبت لله تعالى: "بالفعل المحكَم العلم، وكذلك نثبت بالفعل النافع الرحمة، وبالغايات المحمودة الحكمة" (مجموع الفتاوى ج16،ص356).
"ومن نظر في أسمائه وصفاته وجدها كلها حسنى، فله الكمال من كل شيء، ومن أسمائه الصمد، وهو سبحانه ليس كمثله شيء فيما يوصف به من صفات الكمال، فهو منزه عن النقص المضاد لكماله، ومنزه عن أن يكون له مثل في شيء من صفاته، ومعاني التنزيه ترجع إلى هذين الأصلين، وقد دل عليهما سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن بقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1-2]، فاسمه الصمد يجمع معاني صفات الكمال" (مجموع الفتاوى، جـ16، ص99).
وعن ابن عباس: "هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار" (مجموع الفتاوى، جـ16، ص99).
فهو السيد الذي بلغ كمال الشرف ومنتهاه، ومن معناه أنه المقصود في قضاء الحوائج تلهج الألسنة اليه وحده {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:الآية:29]، ويقول الطبري: "هو كل يوم في شأن خلقه فيفرج كرب ذي كرب ويرفع قومًا ويخفض آخرين وغير ذلك من شئون خلقه".
وينقل عن عبيد بن عمير قال: "يجيب داعيًا، ويعطي سائلاً، أو يفك عانيًا، أو يشفي سقيمًا" (تفسير الطبري، جـ11، ص591)، ففي كل يوم شأن رباني خاص بالأحداث التفصيلية واللحظية التي تحدث لكل مخلوق، وما قاله بعض السلف في تفسير هذا (الشأن) فقد أعطى أمثلة لا على وجه الحصر بل على وجه يُقاس عليه غيره، فقالوا العبارات السابقة: "يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، وينفث همًا، ويفك عانيًا، ويشفي مريضًا، ويعيد غائبًا".
هذا بعض مما يجب أن تعلمه عن الله تعالى، ولهذا يجب أن تتربى على منهجه وتستقيم على أمره تعالى.