وصفة للعاجزين

منذ 2015-05-06

فمن أعجزته تلك الأعمال، فإليه وصفة مباركة، وبلسم نافع، ودواء ناجع، به ينال الفضل، ويدرك الخير الذي فاته ولم يفت غيره.

الحمد لله رب العالمين، الذي جعل مع العسر يسرين، وهو خير معين، والصلاة والسلام على خير المرسلين ومحجة السالكين، وحجة الله على العباد أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فإن أعظم هزيمة تقع على العبد، فتخزيه وترديه، هزيمة تقع رحاها بين أضلاعه، فتنهزم نفسه من نفسه، وتكبّل قدمه بيده، وتُكتم أنفاسه في فيه بكفّه، ويطبق على عينه بجفنه، فيصبح مهزومًا من الداخل، مزعزعًا من جوانبه، مخلخلًا من جوفه، مذبذبًا من ذاته، فكيف يكتب له النصر والتمكين على أعدائه، والغلبة على معاديه، والفوز على مبارزيه، وهو مهزوم في نفسه، مغلوب من ذاته، وأول الهزائم في النفس ثم تتوالى بعد ذلك المخازي!

فإذا أراد أن يجاهد في سبيل الله تعالى  تذكر الموت والقتل، والجراح والدماء والآلام والأسقام، والأسر بيدي الأعداء البغضاء، والهزيمة المخزية، والخوف والهلع والرعب والفزع، فأحجم، ولم يتقدم، وقال: إن للحرب رجالًا غيرنا، فلسنا لها وليست لنا!

وإذا أراد أن يكابد طول الليل بقيامه متبتلًا بين يدي ربه، قانتًا بالقرآن، راكعًا وساجدًا بين يدي خالقه، يتجافى بجنبه عن مضجعه، تذكر حلاوة النوم، وقال بلسان المحروم: هكذا معظم القوم!
وتذكر أعمال غده، وأتعاب يومه، وألقى الشيطان أمام عينه أنه عمل مستحب، فأثقل رأسه، وغشاه بلباسه، فنام، وأعجزه القيام!

وإذا أراد أن يجود بما جاد به عليه مولاه من المال في وجوه الخير، تذكر تأمين مستقبله، وحاجات أهله وعياله، وكثرة الكاذبين في دعواهم، وتعبه ونصبه في جمعه وعدّه، وكم ناله من ألم وسقم في سبيل الحصول عليه والوصول إليه، فجمع ومنع، وأمسك وبخل.

فإلى الله المشتكى من نفوسنا الضعيفة، وإرادتنا العاجزة، وعزائمنا الفاترة، وهممنا الخائرة، فمتى ننتصر على أعدائنا ونحن لم ننتصر على أنفسنا وشهواتنا؟!

أحسب أن البعض سيقول: هذا ما وقعتُ فيه، وأعاني منه، فهل إلى خروج من سبيل؟!

أقول: إن من رحمة الله بنا وفضله علينا  أنه سبحانه جعل للجنة ثمانية أبواب، وجعل بفضله للخير أسباب وأسباب، والموفق من ألهمه مولاه أن يصيب من كل خير بنصيب، ليكون من رواد الخير، فيلقي بدلوه في كلّ بئر، ويرمي بسهمه في كل ميدان، ويملئ جرابه من كل سوق، فإنه لا يدري من أي باب يقبل، ولا بأي عمل يرحم، فلا يزال في عناء حتى يقبل عند رب الأرض والسماء، ثم إلى النعيم المقيم والخير العميم في جنات النعيم.

فمن أعجزته تلك الأعمال، فإليه وصفة مباركة، وبلسم نافع، ودواء ناجع، به ينال الفضل، ويدرك الخير الذي فاته ولم يفت غيره.

فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هالهُ الليلُ أن يُكابدهُ، أو بخل بالمال أن يُنفقه، أو جبن عن العدوّ أن يقاتله، فليكثر من (سبحان الله وبحمده) فإنها أحبُّ إلى الله من جبلِ ذهبٍ ينفقه في سبيل الله عزَّ وجلَّ» (صحيح الترغيب والترهيب؛ برقم: [1541]).

ولتقف على فضل هذه الوصفة، فإليك ما يبين لك شيئًا من فضلها، وطرفًا من مكانتها وكرامتها، فالزمها، فإن بها النجاة من كثير من وجوه التقصير في حقِّ ربنا العلي الكبير. 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: سبحان اللهِ وبحمدِه مائةَ مرةٍ غُفرَتْ له ذنوبُه وإنْ كانتْ مثلَ زبَدِ البحرِ» (صحيح الترمذي الصفحة؛ برقم: [3466]، ورواه مسلم والنسائي).

وعن سليمان بن يسار، عن رجل من الأنصار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال نوحٌ لابنِهِ: إنِّي مُوصِيكَ بوصيَّةٍ وقاصِرُها لكي لا تنساها؛ أُوصِيك باثنتَيْنِ وأنهاك عن اثنتيْنِ: أمَّا اللَّتانِ أُوصِيكَ بهِما؛ فيستبشِرُ اللهُ بِهِما وصالِحُ خَلقِه، وهما يُكثرانِ الوُلوجَ على اللهِ: أُوصِيك بـ(لا إلهَ إلَّا اللهُ) فإنَّ السَّمواتِ والأرضِ لَو كانَتا حلقةً قَصمَتْهُما  ولَو كانَتا في كفَّةٍ وزنتْهُما. وأُوصِيك بـ(سُبحانَ اللهِ وبِحَمدِه) فإنَّهُما صلاةُ الخَلقِ، وبهما يُرْزَقُ الخلقُ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا. وأمَّا اللَّتانِ أنهاك عَنهُما؛ فيحتَجبُ اللهُ منهُما وصالِحُ خلقِه: أنهاكَ عن الشِّركِ والكِبْرِ» (صحيح الترغيب والترهيب؛ برقم: [1543]).

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قال: سُبحانَ اللهِ وبِحمْدِهِ، غُرِسَتْ لهُ بِها نخلةٌ في الجنةِ» (صحيح الترغيب؛ برقم: [1539]، وهو صحيح لغيره).

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرُك بأحبِّ الكلامِ إلى اللهِ؟» قلتُ: يا رسولَ اللهِ أخبرني بأحبِّ الكلامِ إلى اللهِ. فقال: «إن أحبَّ الكلامِ إلى اللهِ، سبحانَ اللهِ وبحمدِه» (صحيح مسلم؛ برقم: [2731]).

وفي رواية مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أيُّ الكلام أفضلُ؟ قال: «ما اصطفى اللهُ لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده» (صحيح مسلم؛ برقم: [2731]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلمتانِ خفيفتانِ على اللسانِ، ثقيلتانِ في الميزانِ، حبيبتانِ إلى الرحمنِ: سبحانَ اللهِ وبحمدِه، سبحانَ اللهِ العظيمِ» (صحيح البخاري؛برقم: [6682]، وصحيح مسلم؛ برقم: [2694]).

فهل تحتاج منك هذه الوصفة إلى مال وفير أو سهر كثير أو جهد كبير أو وقت طويل أو خوف وبيل؟!

المصدر: موقع هاجس

عبد اللطيف بن هاجس الغامدي

مدير فرع لجنة العفو واصلاح ذات البين - بجدة .

  • 3
  • 0
  • 2,751

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً