وصفة للعاجزين
فمن أعجزته تلك الأعمال، فإليه وصفة مباركة، وبلسم نافع، ودواء ناجع، به ينال الفضل، ويدرك الخير الذي فاته ولم يفت غيره.
الحمد لله رب العالمين، الذي جعل مع العسر يسرين، وهو خير معين، والصلاة والسلام على خير المرسلين ومحجة السالكين، وحجة الله على العباد أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أعظم هزيمة تقع على العبد، فتخزيه وترديه، هزيمة تقع رحاها بين أضلاعه، فتنهزم نفسه من نفسه، وتكبّل قدمه بيده، وتُكتم أنفاسه في فيه بكفّه، ويطبق على عينه بجفنه، فيصبح مهزومًا من الداخل، مزعزعًا من جوانبه، مخلخلًا من جوفه، مذبذبًا من ذاته، فكيف يكتب له النصر والتمكين على أعدائه، والغلبة على معاديه، والفوز على مبارزيه، وهو مهزوم في نفسه، مغلوب من ذاته، وأول الهزائم في النفس ثم تتوالى بعد ذلك المخازي!
فإذا أراد أن يجاهد في سبيل الله تعالى تذكر الموت والقتل، والجراح والدماء والآلام والأسقام، والأسر بيدي الأعداء البغضاء، والهزيمة المخزية، والخوف والهلع والرعب والفزع، فأحجم، ولم يتقدم، وقال: إن للحرب رجالًا غيرنا، فلسنا لها وليست لنا!
وإذا أراد أن يكابد طول الليل بقيامه متبتلًا بين يدي ربه، قانتًا بالقرآن، راكعًا وساجدًا بين يدي خالقه، يتجافى بجنبه عن مضجعه، تذكر حلاوة النوم، وقال بلسان المحروم: هكذا معظم القوم!
وتذكر أعمال غده، وأتعاب يومه، وألقى الشيطان أمام عينه أنه عمل مستحب، فأثقل رأسه، وغشاه بلباسه، فنام، وأعجزه القيام!
وإذا أراد أن يجود بما جاد به عليه مولاه من المال في وجوه الخير، تذكر تأمين مستقبله، وحاجات أهله وعياله، وكثرة الكاذبين في دعواهم، وتعبه ونصبه في جمعه وعدّه، وكم ناله من ألم وسقم في سبيل الحصول عليه والوصول إليه، فجمع ومنع، وأمسك وبخل.
فإلى الله المشتكى من نفوسنا الضعيفة، وإرادتنا العاجزة، وعزائمنا الفاترة، وهممنا الخائرة، فمتى ننتصر على أعدائنا ونحن لم ننتصر على أنفسنا وشهواتنا؟!
أحسب أن البعض سيقول: هذا ما وقعتُ فيه، وأعاني منه، فهل إلى خروج من سبيل؟!
أقول: إن من رحمة الله بنا وفضله علينا أنه سبحانه جعل للجنة ثمانية أبواب، وجعل بفضله للخير أسباب وأسباب، والموفق من ألهمه مولاه أن يصيب من كل خير بنصيب، ليكون من رواد الخير، فيلقي بدلوه في كلّ بئر، ويرمي بسهمه في كل ميدان، ويملئ جرابه من كل سوق، فإنه لا يدري من أي باب يقبل، ولا بأي عمل يرحم، فلا يزال في عناء حتى يقبل عند رب الأرض والسماء، ثم إلى النعيم المقيم والخير العميم في جنات النعيم.
فمن أعجزته تلك الأعمال، فإليه وصفة مباركة، وبلسم نافع، ودواء ناجع، به ينال الفضل، ويدرك الخير الذي فاته ولم يفت غيره.
فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح الترغيب والترهيب؛ برقم: [1541]).ولتقف على فضل هذه الوصفة، فإليك ما يبين لك شيئًا من فضلها، وطرفًا من مكانتها وكرامتها، فالزمها، فإن بها النجاة من كثير من وجوه التقصير في حقِّ ربنا العلي الكبير.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
» (صحيح الترمذي الصفحة؛ برقم: [3466]، ورواه مسلم والنسائي).وعن سليمان بن يسار، عن رجل من الأنصار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح الترغيب والترهيب؛ برقم: [1543]).
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
» (صحيح الترغيب؛ برقم: [1539]، وهو صحيح لغيره).وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صحيح مسلم؛ برقم: [2731]).
» قلتُ: يا رسولَ اللهِ أخبرني بأحبِّ الكلامِ إلى اللهِ. فقال: « » (وفي رواية مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أيُّ الكلام أفضلُ؟ قال: «
» (صحيح مسلم؛ برقم: [2731]).وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «البخاري؛برقم: [6682]، وصحيح مسلم؛ برقم: [2694]).
» (صحيحفهل تحتاج منك هذه الوصفة إلى مال وفير أو سهر كثير أو جهد كبير أو وقت طويل أو خوف وبيل؟!
- التصنيف: