فراق الحبيبة!
ما أشرف تلك الوشيجة التي تنسج خيوطها الأيام بين زوجين مُتحابين! وفجأة، تحلُّ الفجيعة!
ما أشرف تلك الوشيجة التي تنسج خيوطها الأيام بين زوجين مُتحابين! وفجأة، تحلُّ الفجيعة! فبينما كانت تملأ حياته، وتسكن عمره، وإذا بالمنايا المعطبة تخترمها، لتخطفها من بين يديه، ومن أمام ناظريه، فيعود كالطفل الهزيل يملأ الدنيا بكاءً وعويلًا .فما أجمل الوفاء! وإن حُسن العهد من الإيمان.
عُج بالمطي على اليباب الغامر *** واربع على قبرٍ تضمن ناظري
فستستبين مكانه بضجيعهِ *** وينم منه إليكَ عرف العَاطرِ
فلكَم تضمن من تقى وتعفف *** وكريمِ أعراقٍ وعِرضٍ طاهرِ
واقر السلام عليه من ذي لوعة *** صدعته صدعًا مَا له مِن جابرِ
فعساهُ يسمحُ لي بوصلٍ في الكرى *** متعاهدًا لي بالخيالِ الزائرِ
فأعلل القلبَ العليلَ بطيفهِ *** علّي أوافيه ولستُ بغادرِ
إني لأستحييه وهو مُغيب *** في لحدهِ فكأنه كالحاضرِ
أرعى أذمته وأحفظُ عهدهُ *** عندي فما يجري سواهُ بخاطري
إن كان يدثر جسمه في رمسه *** فهواي فيه الدهر ليسَ بداثرِ
قطعَ الزمانُ معي بأكرمَ عشرة *** لهفي عليه من أبر مُعاشرِ
ما كان إلا ندرة لا أرتجي *** عوضًا بها فرثيته بنوادرِ
ولو أنني أنصفته في وده *** لقضيتُ يوم قضى ولم أستأخرِ
وشققتُ في خلب الفؤاد ضريحه *** وسقيتُه أبدًا بماءِ محاجري
أجدُ الحلاوةَ في الفؤادِ بكونهِ *** فيه وأَرعاه بعينِ ضمائري
لسألت مغفرةً له وتجاوزًا *** عنه من الربِ الجوادِ الغافرِ
أخلق بمثلي أن يرى متطلبًا *** حوراء ذات غدائر وأساورِ
مقصورة في قبةٍ من لؤلؤٍ *** ذخرت ثوابًا للمصاب الصابر
لخلت ذراعي وانفردت فإن أكن *** تاجرت فيها كنتُ أربحَ تاجرِ
ولئن حُرمتُ ولم يفز قِدحي بها *** فأنا لعَمرِ الله أخسرُ خاسرِ
من جاوزَ الستين لم يجمُل به *** شغل بجمل والرباب وغادرِ
بل شغله في زادِه لمعادِه *** فالزادُ آكدُ شغلِ كلِ مسافرِ
والشيخُ ليس قصاره إلا التقى *** لا أن يهيمَ صبابةً بجاذرِ
نفرت طِباعُ الغيد عنه كراهةً *** ومن العناء علاقة بمنافرِ
هل يلتقي قرن بقرنٍ في الوغي *** إلا بأزرق أو بعضبٍ باترِ
وإذا تقحم أعزل في مأزقٍ *** كان الأسيرَ ولم يكن بالآسرِ
ما يشتهي نهدًا ولحظًا فاترًا *** إلا خلي في زمان فاتر
حسبي كتابُ الله فهو تنعمي *** وتأنسي في وحشتي بدفاتري
أفتض أبكارًا بها يغسلن من *** يفتضهن بكل معنىً طاهرِ
وإذا أردتُ نزاهة طالعتها *** فأجولُ منها في أنيقٍ زاهرِ
وأرى بها نهجَ الهدايةِ واضحًا *** ينجو به من ليس عنه بجائرِ
قد آن لي أن أستفيقَ وأرعوي *** لو أنني ممن تصح بصائري
فلكم أروح وأغتدي في غمرةٍ *** مترددًا فيها كمثلِ الحائرِ
وأرى شبابي ظاعنًا في عسكرٍ *** عني وشيبي وافدًا بعساكر
فغدت مظفرة علي ولم تزل *** قدمًا معلاة قداح الظافرِ
ولقد رأيتُ من الزمانِ عجائبًا *** جربتها بمواردي ومصادري
فوجدت إخوان الصفا بزعمهم *** يلقاك أمحضهم بعرض سابري
ولربما قد شذّ منهم نادر *** وأصولنا أن لا قياس بنادرِ
وإذا نبا بي منزل أو ران بي *** صفقت عنه كالعقاب الكاسرِ
فأجوب أرضًا سهلها كحزونها *** عندي وأول قطرها كالآخرِ
ولقد عجبت لمؤمنٍ في شدقه *** جرس كناقوس ببيعة كافرِ
لسن يهينم دائبًا ولما يرى *** أن اللسانَ كمثلِ ليث هاصرِ
ولو أنني أدعو الكلام أجابني *** كإجابةِ المأسورِ دعوة آسرِ
لكن رأيت نبينا قد عابه *** من كل ثرثار وأشدق شاعرِ
فصمت إلا عن تقى ولربما *** قذفت بحارُ قريحتي بجواهرِ
ما استحسنوا طولَ الخطابة بل رأوا *** تقصيرها مهما ارتقوا بمنابر
ولما رأوا سرد الكلام بسائغٍ *** إلا لعبدٍ قارئٍ أو ذاكرِ
فالعي في الإكثارِ لا في منطقٍ *** يهدي إلى الألبابِ نفثةَ ساحرِ
ولقد أقولُ لبعض من هو عاذلي *** في القصدِ في شاني وليس بعاذري
لما رأيت الأرض أصبح ماؤها *** رنقًا كفتني منه حسوةُ طائرِ
ولو أنني أرضى القذا في مشربي *** لكرعت كرعة ظامئٍ بهواجرِ
وعبرت بحر الرزق ألتمسُ الغنى *** حرصًا عليه وكنتُ أمهرُ ماهرِ
لكنني عوضت منه عناية *** بقناعةٍ وتجملٍ في الظاهرِ
فمِن الغنى ما قد يضرُ بأهلهِ *** والفقرُ عندَ اللهِ ليس بضائرِ
ولقد أصبت من المطاعمِ حاجتي *** ومن الملابسِ فَوق ما هو ساتري
وأنا لعمرك مكرم في جيرتي *** ومعظّم ومبجّل بعشائري
وغدًا بميدان السباق سنلتقي *** فيرى الثقيلُ مَن الخفيف الضامر
واسوأتا إن كنت سكيتًا به *** أرجو اللحاقَ على هجينٍ عاثرِ
والويلُ كل الويل لي إن لم يكن *** مولاي في تلك الشدائدِ ناصري
إني لأشكره على آلائه *** فهو الوفي بعهدهِ للشاكرِ
وإليه أضرع في إنابةِ مخلصِ *** فهو الذي أرجو لسد مفاقري
- التصنيف: