من الأحق بوصف الخوارج؟
افتعال الحوادث وإلصاقها بالإسلاميين مقصود ليظهر هؤلاء مدافعين عن أنفسهم، وليجد مثل هذا الشيخ ما يبرر به الأمر بقوله أن هذا دفع صائل، لكنه كان متحرجًا لأنه يعلم أن دفع الصائل يكون بالأخف ثم يتدرج في الأمر إلى ما هو أشد..
القول بأن معارضي الانقلاب من الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عمومًا خوارج، هو قول باطل اعتدنا أن يقوله علماء السلاطين كحجة يستسهلونها، ويبررون لمن أراد استئصال شأفة الإسلام ما يريد أن يفعل، ومع تهافت الشبهة نبين الرد عليها بقول موجز ومختصر يليق بالحال، لأنه ثمة خفة في العقول هذه الأيام يُصدق فيها من الأباطيل ما لا تقبله عقول الصبيان:
(1) أما حديث عرفجة: « » (فهو حديث صحيح رواه مسلم)، وقد فسره عمر رضي الله عنه فقال: "من تأمر دون دون مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه"، والحديث نص في أن الأمة لها الحق في اختيار الحاكم في اختيار حر، ثم إن جاء أحد يتغلب بقوة السيف ويصادر حق الأمة في الشورى والاختيار الحر فليواجَه ويُمنع، وعلى هذا فاختيار الأمة الذي تحدد في الانتخابات الحرة هو الاختيار الحر، وأما غصب الأمر في مؤامرة 30 يونيه فهو اغتصاب لحق الأمة.
(2) الخوارج يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان، والمسلمون لم يقتلوا أحدًا ولكنهم واجهوا بسلمية لإعلان رفض اغتصاب حقهم، وأما الانقلابيون فتعاونوا مع إسرائيل وزاروها قبل وبعد، وما زال التنسيق مستمرًا، بل وأذنوا لهم أن يقتلوا المسلمين في سيناء، وقاموا هم بقتل خمسة آلاف مسلم منهم أربعة آلاف في يوم واحد، ثم حرقوهم، ثم جرفوا جزءًا منهم في القمامة، وحرموا جزءًا آخر أن يخرج من الحياة بحقيقة ما حدث، بل أُجبر أهله يقبلوا التزوير بأنهم ماتوا منتحرين! فالأحق بوصف (قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان) هم الانقلابيون وعلى رأسهم مفتيهم.
(3) الخوارج يكفّرون الأمة بالمعصية، بينما التيار الإسلامي يقول هذه الأمة أمتنا ونحن جزء منها لا نكفرها لا بذنب ولا بمعصية، بل إذا رأينا ظواهر شركية حاربنا الظواهر دون أن نسحب حكم الشرك على الأمة، بينما جاء هذا ليكفر قطاعًا من المسلمين ويستبيح دماءهم فمن أحق بوصف الخوارج؟
(4) الخوارج لا يرون عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يرون الأخذ عن الصحابة ولا الاقتداء بهم، بينما التيار الإسلامي يقول بجُمل أهل السنة كاملة من عصمة الرسول وفضل الصحابة وخيرية القرون المفضلة، ويريد العودة إلى ما عليه القرون المفضلة في أصول الحكم والسياسة وأصول التعبد وأصول العقائد، بينما يساند هذا الشيخ انقلابًا علمانيًا يرفض الدين كهوية للبلاد ويرفض مشروع تحكيم الشريعة وتمهيد الأمة له، وهو مشروع صهيو أمريكي يهدف إلى تغريب البلاد وعلمنتها والتمكين للشيوعيين والملحدين والإباحيين واليساريين وهو من قادوا حركة 30 يونية فكريًا، فمن أحق بوصف الخوارج؟
(5) الخوارج يدمرون الأمة، تبعًا لتكفيرها، أما التيار الإسلامي فمشغول بالبناء ومشروعه إقامة الدين وتحرير البلاد وتقويتها واستقلال قرارها وكسر طوق التبعية، ولهذا كانت المشاريع الضخمة والقوية التي كانت من الأسباب المهمة للانقلاب وتعاون الدول الكارهة لهذا التقدم لمصر في محاولة اسقاط هذا النظام، ثم جاء هذا المفتي السابق ليساند من أوقفوا مشاريع التنمية وبداية استقلال القرار لتأكيد تبعية مصر للمشروع الصهيو أمريكي من جانبين:
الأول: من خلال الهوية العلمانية القومية المعادية للدين أو المؤخرة له عن التأثير العام.
والثان: من جانب الحاجة والتخلف العلمي والتكنولوجي.
فمن أحق بوصف الخوارج على الأمة ومصالحها العليا ومستقبل أبنائها وأرضها ووحدتها ومقدساتها؟
(6) الخوارج يقرؤون القرآن ويتعلمون العلم لا يفقهونه ولا يجاوز تراقيهم، ولا يضعون العلم في مواضعه، وقد قال أبناء التيار الإسلامي بالتفريق بين التوحيد والشرك، وبين السنة والبدعة، وبين الطاعة والمعصية، وبين نصوص رد الظلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين نصوص تجميع الأمة ووحدة كلمتها، وجمعوا بين الصبر في مواضعه والحراك السلمي للتغيير في الداخل في موضعه، وبين إعداد القوة لردع العدو الخارجي في موضعه.
بينما ذهب هذا المفتي السابق ليتلاعب بالنصوص الشرعية يضعها بالتشهي حيث يشاء، أو حيث تشاء الرياح المحركة له؛ فعند ثورة يناير قال أنه لا يجوز الخروج وهو حرام حرام حرام، وأن « » الحديث (الترغيب والترهيب:45/2)، واستعمل هذه النصوص ليُقعد الناس عن واجب شرعي، وهو رفض الظلم والأخذ على يد الظالم وأطره على الحق أطرًا، وقصره على الحق قصرًا وإصلاح حياتها، ثم عاد يبيح الخروج على من انتُخب من الأمة بانتخاب حر ونزيه مباشر، ولم يبح للحاكم وقتها مواجهة (الخارجين عليه)،ـ ولم يرد الحاكم هذا أصلاً لأنه عادل وله ضمير، ثم عاد ليحرم الخروج ثانية ضد من يهواه بل وأباح قتلهم واستخرج لهم غطاء أنهم خوارج ليرفع الحرج عن من بقي عند بقية من ضمير ليقتل المسلمين ويئد حلم الأمة، فمن أحق بوصف الخوارج والكذب والدجل والمتاجرة بالدين، واستعمال نصوص مختلفة لنفس الحدث وإعطاء نفس المناط أحكاما مختلفة تبعًا لما يهواه شخصيًا من اختيار؟!
(7) ما ذُكر من اجتهاد الخوارج في العبادة اجتهادًا شديدًا ليس محل ذم، كما أن وصفهم بكث اللحية أو نتوء الجبين ليس بمحل ذم؛ فهذه الأوصاف إما أوصاف طردية خَلْقية غير مؤثرة، وبعضها يتصف به بعض الصحابة كـ(كث اللحية)، وبعضها طردي كنتوء الجبين، وقصد الصحابي الراوي للحديث من ذكرها هو تعريف القائل ووصف الحدث بدقة، وأما الوصف محل الذم فهو أنهم جمعوا مع الاجتهاد في العبادة الجهل وزيغ القلوب، وتبدى هذا في استخدامهم القاعدة الشرعية العظيمة: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف من الآية:40]، في رد حكم الله تعالى نفسه!
فحكم الله تعالى في بعض المواطن هو تحكيم الرجال في الصلح بين الزوجين: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} [النساء من الآية:35]، وسماه حكمًا، أو بين المسلمين {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} بعد قوله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات من الآية:9]، فالمقصود بالأخوين هنا الطائفتين فمعناهما الجمع وليس الإفراد، وأمر الله تعالى بالأخذ بتقدير الرجال في معرفة الحيوان الأهلي المقابل للصيد البري الوحشي {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة من الآية:95]، فجعلوا حكمه تعالى بالإحالة إلى الرجال في هذه المواطن مقابلاً لقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} وأبطلوا بالآية الثانية ما أمر به في الأولى.
فهذا هو الجهل، وأما الزيغ فاتهامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (في قصده) بقول الشقي منهم: "إن هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله"! واتهام الشقي الآخر له صلى الله عليه وسلم في (القسمة نفسها) بقوله: "اعدل فإنك لم تعدل"، وأما معنى قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}، فهو رد الأمر التشريعي لله تعالى برد الحياة كلها إلى أحكام الشريعة، سواء كانت حكمًا جزئيًا أو قاعدة كلية أو مصالح مرسلة، أو اجتهاد وقياس أو استحسان أو غيرها بالضوابط الشرعية الموروثة، وبهذا تطالب الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي في مجمله.
فجاءنا محترفوا البيع والشراء ومحترفة التجارة بالدين ليقولوا أن من يقول {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} يريد رد الأمر التشريعي في حياة الناس إلى الوحيين الكتاب والسنة بقواعدهما والتزام أحكامهما، والإحالة إلى حيث أحالا في كل موطن، قالوا أنه خارجي، فجعلوا هم الآية الكريمة ردا لجملة الشريعة! وهو مناط أفحش مما فعل الخوارج حيث ردوا بهذه الآية بعض الأحكام التي ظنوها مخالفة للقاعدة الشرعية، أما هؤلاء فجعلوا الآية مبطلة لجملة دين الإسلام وحجة في رفض التزام الأحكام على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص فيما عارض القوانين المبدَلة.
فمن أحق بوصف الخوارج ومن أغرق فيه من الخوارج؟
ومن هنا نقول أن من قال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} قاصدًا رد الأمر التشريعي للحياة في الأمور الفردية والجماعية، والخاصة والعامة، والعبادية والعادية لله تعالى، فهو معنى دين الإسلام والتفسير المباشر له، ولهذا قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف من الآية:40]، ثم قال تعالى مبينا أن هذا هو معنى الدين فقال: {ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف من الآية:40].
ومن قال: "إن الحكم إلا لله"، قاصدًا بها إبطال ما أحال الشارع فيه إلى العرف أو تقدير الرجال، فهو قائل بقول الخوارج، مبطل فيما ادعاه، قوله بدعة مرفوض، وهو زيغ يُخشى على صاحبه أن يضرب بكتاب الله وأحكامه بعضها ببعض.
ومن قال أن من قال {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} فهو خارجي وإن أراد إقامة الشريعة وإقامة الدين، فقوله أفحش مما قال الخوارج، وهوأحق بقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ..} [الأعراف:175-176].
(8) الخوارج لا يقاتَلون إلا عند استعمالهم العنف، فما بال السلميون يواجَهون بالعنف ويُبتدأون به؟
ثم يطلَق البلطجية لعمل حوادث عنف لإلصاقها بالسلميين، لأنهم لما لم يستعمل الرافضون للانقلاب العنف ولم ينجروا له، لأنه لا يجوز ديانةً حرق وإتلاف ممتلكات مسلم أو مسيحي معاهد، فلما وجدوا الأمر كذلك افتقدوا لحجة استصالهم فاستفزوا من جانب بإهانة المساجد التي لم ينتفض لها جمعة ولم يتأثر بها، ثم افتعلوا حوداث لإلصاقها بالسلميين الباحثين عن إقامة دينهم ونهضة بلادهم واستقلالها، ليبرروا كل ما لا يجوز في عرف الإنسانية تحت سمع وبصر وحماية رجال (الدين!) ورجال حقوق (الإنسان!) ورجال (القانون!) والإعلاميين (الشرفاء!) مع موافقة المواطنين الشرفاء على كل هذا؟
(9) افتعال الحوادث وإلصاقها بالإسلاميين مقصود ليظهر هؤلاء مدافعين عن أنفسهم، وليجد مثل هذا الشيخ ما يبرر به الأمر بقوله أن هذا دفع صائل، لكنه كان متحرجًا لأنه يعلم أن دفع الصائل يكون بالأخف ثم يتدرج في الأمر إلى ما هو أشد..
لكن ما حدث هو أن السلميين الرافضين للانقلاب لم يفعلوا أي صيال على مال أو عرض أو دم أحد حتى ممن آذوهم، وقام البلطجية وعددهم 300 ألف بلطجي مجهزين منذ 2005، قاموا بالهجوم على الكنائس وأقسام الشرطة، بل والبيوت، كما تم تصوير جنود أمن مركزي يلبسون جلبابًا فوق الزي الميري ومعهم البنادق ومعهم الكاميرات! وهم يضربون عشوائيًا على بيوت الآمنين وممتلكاتهم، فتركوا البلطجية ثم جاءوا إلى السلميين، ولم يستخدموا معهم الأخف! بل استخدموا ما استنكره الغربيون أنفسهم، بل وما تستنكف الحيوانات من فعله..
فهل ثمة بقية من ضمير؟ وأي فتوى أو علم شرعي يجيز فعل ما لا يجوز فعله مع الكافر المحارب، فيفعل مع مسلم مسالم يريد الخير لأبناء البلد دينًا ودنيا، مسلمًا وغير مسلم، لأفراد الشرطة ولأفراد الجيش وللأمة بأسرها؟
(10) لو قُتل خارجي فلا يجوز حرقه ولا جرفه في المزابل ولا دفنه في قبور جماعية، ولا الكذب على أهله وعليه! في طريقة قتله، ولا يجوز تأخيره لابتزاز أهله حتى تتغير الجثث في المشارح، فلو تركنا قيم الإسلام العظيمة التي لا يسمو لها أمثاله أفلا توجد قيم آدمية؟ فمن أحق بوصف الخوارج؟
- التصنيف: