هوامش حول حقيقة السادات ونصر أكتوبر 1973
عبد المنعم منيب
لاحظتُ أنّ كثيرًا من الشباب يتداولون كلامًا فارغًا ولا قيمة له علميًا وموضوعيًا عن السادات وعصره في إطار كلامهم عن حرب أكتوبر 1973
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
لاحظتُ أنّ كثيرًا من الشباب يتداولون كلامًا فارغًا ولا قيمة له علميًا وموضوعيًا عن السادات وعصره في إطار كلامهم عن حرب أكتوبر 1973، وأريد أن أنبه هؤلاء الإخوة والأخوات إلى أن السادات هو من أسس لكل مصائب مصر والعرب التي نعيشها الآن، و منها على سبيل المثال لا الحصر:
- الفساد والمحسوبية في كل مستويات الحكم.
- تكسب أسرة الحاكم من الحكم (مشاريع جيهان وشقيقها).
- تزاوج الحكم مع رجال الأعمال إذ زوّج ابنتيه لابني أكبر رأسماليين في عصره عثمان أحمد عثمان وسيد مرعي وكلا الرجلين كانا مسؤولين في حكمه ومستشارين له كما شكلا مركزي قوة في نظام حكمه.
- الانبطاح أمام أمريكا وإسرائيل وتقديم التنازلات لهما مقدمًا، ثم انتظار إحسانهما وكرمهما في مقابل هذه التنازلات والانبطاح غير المشروط.
- جذب الشعب المصري للتمحور حول شهواته الشخصية بدعوى المصلحة المصرية وأن العرب خذلونا واستنزفونا في الصراع مع إسرائيل وهم يتفرجون وبالتالي التحلل من أي التزامات عامة (إسلامية أو قومية).
- التأسيس للارتباط بالنظام الرأسمالي الدولي دون ضابط أو رابط مما فتح باب مصر لينهب الرأسماليون الدوليون وأذنابهم المصريون لثروة مصر من المصانع الضخمة فضلًا عن احتكار سوق التجارة والخدمات والعمل المالي والمصرفي؛ وهو ما أطلق عليه الوطنيون وقتها شعار (انفتاح السداح مداح) لأن السادات وقتها أطلق عليه لفظ (سياسة الانفتاح).
و الحسنة الوحيدة للسادات تنحصر في أمرين:
الأولى: إفساحه المجال أمام العمل السياسي والدعوي الإسلامي:
و هذا الأمر في الواقع لم يكن لوجه الله كما لم يكن لوجه الوطن؛ إنما كان ضرورة واقعية وسياسية، لأن الدعوة الإسلامية انتشرت جماهيريًا وبعيدًا عن الإخوان المسلمين الذين كانوا وقتها في السجن؛ فكانت الدعوة المتنامية بعيدًا عنهم ستشكل خطرًا على نظام حكم السادات وهو خطر أبعاده وطبيعته مجهولة لأنهم شباب جدد وليس لهم قيادة موحدة ولا يمكن توقع خطواتهم المستقبلية ولا ردود أفعالهم كما أن مواجهتهم بالقمع حتى لو فرضنا أنها ستنجح فكانت ستتطلب جهدًا ووقتًا وعناءً هو غير مستعد له في خضم أزمة الشرعية التي كان يعيشها، وفي ظل عدم تحرير سيناء وحاجته لمواصلة الصراع مع إسرائيل، وفي ظل صراعه مع الماركسيين والناصريين على الحكم، وفي ظل أزمة معاناته من تململ الشعب من عدم الحسم مع إسرائيل والضغط الشعبي عليه ومطالبته بالحسم، وفي نفس الوقت لديه أزمة استمرار مشكلة النظام مع جماعة الإخوان المسلمين الموجود أغلب قادتها بالسجن بينما ينتشر بعضهم حول العالم ويضغطون عليه إعلاميًا وسياسيًا، كل هذا حتّم عليه أن يفسح المجال للعمل الإسلامي ويخرج الإخوان من السجون باتفاق مع عمر التلمساني (المرشد العام للإخوان حينئذ) على أن يقوم الإخوان باحتواء الشباب واستقطابهم بعيدًا عن العنف. وهناك معلومات مؤكدة أن هذا التوجه كان يتم التخطيط له منذ نهاية عهد ناصر لنفس الأسباب أو لأغلب هذه الأسباب التي سقناها.
الثانية: قيامه بحرب أكتوبر 1973:
وهذا الأمر على عظمته العملية فهو كسابقه أجبر عليه لأنه من الثابت تاريخيًا أنه اتصل بكيسنجر وطالبه بحل سلمي للصراع مع إسرائيل فأرسل له ردًا مفاده أنه في ظل الأوضاع الإستراتيجية الراهنة فإن أحدًا لن يعبأ بالسعي لحل للصراع، ومن ثم فهم السادات أنه لا سبيل للوصول للتفاوض مع إسرائيل إلا بتغيير الأوضاع الإستراتيجية عبر عمل عسكري ومن هنا اضطر للحرب رغمًا عنه، و لذلك سمى كثيرون (وأظن أن السادات ممن أطلقوا هذا المصطلح في مناسبات معينة) حرب أكتوبر بحرب تحريك الموقف.
أما كل الأجواء الاحتفالية التي تعالج به المناسبة منذ الحرب وحتى الآن فهي ناتجة عن الانفعال الوطني المتعطش لأي إنجاز حتى لو كان انجازًا وهميًا متفاعلًا في ذلك مع الآلة الاعلامية التي تحركها أجهزة الحكم لأهداف معينة.
فضلًا عن أن إدارة المعارك على الأرض اتسمت في كثير منها بالعظمة ولكن هذه العظمة إنما تنسب لأصحابها من القادة الذين أداروها فعليًا وكلهم ماتوا ولم يتبق منهم أحد اليوم وعلى رأسهم سعد الدين الشاذلي (رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة وقتها وقبلها)، ومحمد عبد الغني الجمسي (رئيس عمليات القوات المسلحة وقتها). أما جر الآلة الإعلامية هذه العظمة لأسباغها على كل من يلبس البدلة الميري الآن حتى ولو كان طفلًا صغيرًا وقت حرب 1973 فهو دجل ومن يتبع هذا الدجل فهو أبله.
طبعا كل نقطة مما سبق من أول المقال لآخره بحاجة لكثير من التفصيل وممكن نفصلها ونناقشها معًا إن شاء الله في مناسبات أخرى ولكن أنا كتبت هذا الموضوع القصير الآن على عجل (في ظل ضيق الوقت) لأني شعرت أن الشباب الآن لا يفهمون حقيقة عصر السادات لأنهم لم يعيشوه كما أنهم واضح أنهم لا يقرؤون مصادر جيدة توضح لهم الأمر وينساقون وراء المعالجات السطحية والضحلة التي تتناول الموضوع.
وفي النهاية لا ينبغي لعاقل أن ينسى أن أحد سيئات السادات هو تولية حسني مبارك الحكم ليكمل التخريب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني الذي بدأه السادات نفسُه وكفى بها سيئة إذ لو لم يكن له سيئات غيرها لباء بخزي الدنيا والآخرة بسببها.
كُتب في أكتوبر 2014