الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق

منذ 2015-05-16

ما عسى أن يصنع عدوي معي فإن جنتي في قلبي وقلبي بين يدي ربي، وربي ناصري ومعيني، فإن سجنوني فسجني خلوة، وإن نفوني فنفيي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة يطمح لهم اﻷولياء العارفون ولا ينالها إلا المصطفون اﻷخيار.

الذين أخرجوا من بلادهم وبيوتهم وديارهم وأبنائهم وأموالهم وأعمالهم، المطاردون المبعدون المأسورون المهجرون الممنوعون من العودة، السجناء المختطفون المعذبون المكلمون المعتقلون والمحكوم عليهم ظلمًا وعدوانًا.. {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40].

ربح البيع فأنتم في كنف الله وحفظه ورعايته، موعودون بالنصر والتمكين، فكما حفظ الله كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كذلك يحفظ الطائفة المؤمنة الثابتة الصابرة، التي تعي وتفهم وتطبق كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على مدار التاريخ، مهما كانت العقبات والتضحيات وشدة بأس الطغاة، ومهما تخلى عنها النصير فكان هو جل وعلا الكفيل والوكيل والنصير..

فما خرجنا إلا لله نبتغي مرضاته، لا نريد جزاءً ولا شكورًا، نثق بالله الذي أخرج من كانوا قبلنا.. {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال:5]، فهو سبحانه من أخرجنا من بيوتنا وأولادنا وأعمالنا وأموالنا بالحق وللحق، ليُقيم الحجة الدامغة على الجميع؛ الطائع والعاصي حتى لا نتعلق بالأسباب، وليكون الله ورسوله أحب إلينا من أنفسنا والناس أجمعين، فلا نراهم إلا خلسة ولا نجالسهم إلا سريعًا، ولا نطمئن عليهم إلا من بعيد، وربما تململ البعض وخرج كارهًا أو مكرهًا يود حلولًا وسطية غير حاسمة، أو خيرًا قريبًا سهلًا بسيطًا سريعًا جزئيًا منقوصًا غير كاملًا {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال من الآية:7]. 

ولكن ربك بالمرصاد يدبر لخير عظيم ومعركة فاصلة ونصر حاسم مبين وفتح قريب: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال:8]، أرادها المسلمون الأوائل يوم بدر عيرًا وأرادها الله فرقانًا مبينًا، أرادوها يومًا عمرة في مكة وأرادها الله بيعة تحت الشجرة لتكون فتحًا قريبًا مبينًا، وما ظن نوح عليه السلام أن الله سيغرق الكون كله من أجله، وما فكر إبراهيم عليه السلام أن النار ستتوقف خصائصها له..

وسيجزي الله الشاكرين الصابرين الصامدين الواثقين في الله بلا حدود، وسيزول الألم ويبقى الأمل والأجر والثواب، رغم ضيق الصدر وقسوة الخلق وضيق الأرض: {حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة من الآية:11]، {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10-11]. 

حينها تتنزل الرحمات وتغفر الهنات وترفع الدرجات وتتدخل يد الله تعمل في الخفاء تمهد لدينه وتنصر دعوته وتحفظ أوليائه ولن يكون في كون الله إلا ما يريده الله، وما مكرهم وكيدهم إلا ابتلاء وتمحيص وتمايز للقلوب المؤمنة لتتأهل للنصر المبين {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين} [الأنفال:30].

وما عسى أن يصنع عدوي معي فإن جنتي في قلبي وقلبي بين يدي ربي، وربي ناصري ومعيني، فإن سجنوني فسجني خلوة، وإن نفوني فنفيي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة يطمح لهم اﻷولياء العارفون ولا ينالها إلا المصطفون اﻷخيار.

يقول صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا» (صحيح البخاري:1889)، واللعن: الطرد من الرحمة والإبعاد، أي: أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من أرضنا.

فاللهم عليك بمن أخرجونا من أعمالنا ومساجدنا وأهلنا وديارنا وأوطاننا، وأذونا في أجسادنا وروعونا في أمننا وأمن بلادنا وسفكوا دماءنا.

أما نحن فننتظر فتوحات السماء وبركات الأرض وجنود الله التي لا يعلمها إلا هو، مع أخذنا بالأسباب والجد والاجتهاد والصبر والصمود، كنا ثقة في فرج الله القريب: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء من الآية:51]، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]. 


ماهر إبراهيم جعوان

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 9
  • 1
  • 21,135

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً