اغرسي في طفلكِ ما تحبين جَنْيه

منذ 2015-05-16

أنتِ هي البذرة وطفلك هو الأرض الخصبة.. فاحرصي على أرضك، وانتبهي أي البذور تغرسين، فمن يزرع الشوك لا يجني العنب.

 

 

ذات يوم طلبت مني ابنتي الصغيرة ذات الأعوام الثلاثة أن تسقي أختها الصغيرة علبة عصير، فسمحتُ لها بذلك، ثم تفاجأت بأنها تقلدني تمامًا؛ أخذت تردد نفس الكلمات التي أقولها دائمًا عندما أسقي أختها شيئًا؛ وحتى نفس نبرة الصوت ونفس الحركات.

أدهشني الموقف رغم أني كنتُ أعلم علم اليقين أن الطفل يتعلم بطريقة غير مباشرة ولكني تيقنت بعد هذا الموقف من ذلك. فأنا لم يسبق لي أن علمتها كيف تسقي أختها، ولم يسبق لي أن علمتها تلك الكلمات التي قالتها أو الحركات التي فعلتها، لكنها ومع تكرار مشاهدتي تشربت تلك المعلومات وترسخت في ذهنها ثم ما لبثت أن طلبت تطبيقها بطريقة عملية. وهكذا هم الأطفال -مثل الإسفنجة تمامًا- يمتصون كل شيء بدون تمييز، ومثل الأرض الخصبة التي تستقبل البذور ثم ما تلبث تلك البذور أن تنمو وتخرج من باطن الأرض لتثمر.

تشتكي الكثير من الأمهات أن أطفالهم لا يتصرفون بشكلٍ لائق ويكذبون ويتجسسون ويفشون الأسرار المنزلية ويضربون إخوانهم بعنف، وغير ذلك من التصرفات السيئة. وقلما تجد أُمًا تلقي باللوم على نفسها أو تحاول تصحيح الوضع من خلال الوقوف وقفة صادقة مع نفسها لتعرف أنها هي -ولا أحد غيرها- السبب الرئيس في كون طفلها بهذا الوضع.

عزيزتي الأم.. تخيلي معي هذا المشهد ثم احكمي بنفسك: كانت إحدى السيدات تمتلك قطة أرض خصبة وفي موقع متميز، فتمنت أن ترى هذه الأرض حديقة غناء تزهو بمختلف أنواع الزهور والرياحين، وعندما ذهبت لشراء بذور الزهور والرياحين لم تجد، فلم تعر الأمر اهتمامًا واشترت البذور التي وجدتها عند البائع ثم بذرتها في الأرض وكانت تجلس ليل نهار بجوار الأرض وتقول لها: أنتِ أرضٌ خصبة وأنتِ بذورٌ جيدة، وأريدك أن تزهري الرياحين العطرة والزهور النضرة.. ثم بعد عدة أيام نمت تلك البذور لكنها لم تزهر رياحين وزهور وإنما أزهرت صبار! استغربت السيدة وقالت لها: أيتها الأرض وأيتها البذور ألم أقل لكِ مرارًا وتكرارًا أن تنبتي الرياحين والزهور.. كيف أزهرتِ هذا الصبار الشائك بعد كل هذا الكلام الذي قلته لكِ؟!

والآن أيتها الأم الفاضلة.. أحسب أنكِ ستقولين: ما بال هذه السيدة المجنونة!! لأنه لا يفعل ذلك عاقل، لكنكِ وياللأسف تفعلين مثلها تمامًا.. بالطبع تفعلين.. تعلمين طفلك (نظريًا) أن يكون صادقًا ولكنكِ تغرسين فيه صفة الكذب (عمليًا) عندما يسمعك تكذبين على صديقتك؛ تعلمينه (نظريًا) عدم إفشاء الأسرار ولكنكِ تغرسين فيه إفشاء الأسرار (عمليًا) عندما يسمعكِ تحكين لأمكِ كل صغيرة وكبيرة عن حياتك... وهكذا. ثم بالنهاية تشتكي حاله وتطلبي العلاج، وهو بيدكِ أنتِ.

وسأسرد عليكِ موقفًا لإحدى الأمهات وهي تعلم ابنها (عمليًا) كيف يكون احترام الأسرار.. إنها الصحابية أم سليم رضي الله عنها والدة أنس بن مالك رضي الله عنه حيث يروي أنس رضي الله عنه فيقول: "أتى عليَّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأنا ألعبُ مع الغلمانِ. قال: فسلَّم علينا. فبعثني إلى حاجةٍ. فأبطأتُ على أمي. فلما جئتُ قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لحاجةٍ. قالت: ما حاجتُه؟ قلتُ: إنها سرٌّ. قالت: لا تُحدثَنَّ بسرِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أحدًا" (صحيح مسلم:2482). وهكذا تكون التربية بشقيها النظري والعملي.

فلا تتوقعي من طفلك أن يكون صادقًا بمجرد أنكِ تطلبين منه ذلك وتعلمينه نظريًا أهمية الصدق وفضله وسوء عاقبة الكذب وأهله، ولكن بالمواقف العملية يتعلم.

إن كنت ترغبين في طفلِ صادق؛ فاصدقي معه ومع الآخرين، وسيتعلم منكِ الصدق.

وإن كنت ترغبين بطفلٍ لا يفشي الأسرار؛ فافعلي ذلك أمام ناظريه، وسيتعلم ذلك.

وإن كنتِ ترغبين بطفلٍ يحافظ على صلاته؛ فحافظي عليها، وسيتعلم منكِ ذلك.

وإن كنتِ ترغبين بطفلٍ يداوم على الأذكار؛ فداومي عليها، وسيتعلم منكِ ذلك.

والخلاصة هي أن تبدئي بنفسك فأنتِ هي البذرة وطفلك هو الأرض الخصبة.. فاحرصي على أرضك، وانتبهي أي البذور تغرسين، فمن يزرع الشوك لا يجني العنب.

  • 10
  • 3
  • 8,288

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً