رواية قواعد العشق الأربعين في ميزان التصور الإسلامي - (3): الفكر الباطني وهدم الشريعة في الرواية

منذ 2015-05-19

نقد الرواية: الجزء الأول المعنى الباطني هو المغزى وهو الحقيقة في الرواية ومعاني الشريعة الظاهرة والتمسك بها ما هي سوى طقوس ظاهرية لا جدوى منها يمارسها عموم المسلمين الذين لم يرتووا بعد بالفيض الباطني والوجد الإلهي ومن ثم فهي تفتعل خصوصية بأفضلية أهل الباطن على أهل الظاهر ومن ثم تصنع العنصرية التي تنقدها وتنفِّر منها في مواضع أخرى من الرواية.

نقد الرواية:

أولا: الفكر الباطني في الرواية

والرواية في مجملها يستحوذ عليها الفكر الباطني وترى ذلك بجلاء في الكثير من نصوصها، ومثال ذلك نجد شمس التبريزي يرى: "إن كل قارئ للقرآن الكريم يفهمه بمستوى مختلف بحسب عمق فهمه وهناك أربعة مستويات من البصيرة: يتمثل المستوى الأول في المعنى الخارجي وهو المعنى الذي يقتنع به معظم الناس، ثم يأتي المستوى الباطني، وفي المستوى الثالث يأتي باطن الباطن، أما المستوى الرابع فهو العمق ولا يمكن الإعراب عنه بالكلمات لذلك يتعذر وصفه؛ أما العلماء الذين يركزون على الشريعة فهم يعرفون المعنى الخارجي في حين يعرف الصوفيون المعنى الباطني أما الأولياء فهم الذين يعرفون باطن الباطن بينما لا يعرف المستوى الرابع إلا الأنبياء والأولياء الصالحون والمقربون من الله" –انظر الرواية-

وهذا كذب على الأنبياء لا دليل عليه لا من الشرع، بل وضّح لنا الله عز وجل وظيفة الأنبياء والمرسلين وأنها التبليغ وهداية الدلالة، أما كونهم مقسمين إلى مراتب باطنية فهذا من ضلالات المتصوفة والتي لا برهان عليها؟!

ونص آخر في الرواية يقول القاضي: "هل تقصد أن الصوفي العادي يفهم القرآن أكثر مما يفهمه عالم الشريعة؟ ارتسمت ابتسامة خفيفة تهكمية على فم الدرويش لكنه لم يحر جوابا
انتبه يا صديقي يوجد خط رفيع بين ما تقوله وبين الكفر المحض".

ثانيا: الموقف من الشريعة (هدم الشريعة بحجة العلم الباطني):
وبما أن المعنى الباطني هو المغزى وهو الحقيقة فإن معاني الشريعة الظاهرة إلى زوال هذا ما تحاول إثباته الكاتبة جاهدة في محاولة الزعم بأن التمسك بأصول الشريعة ما هي سوى طقوس ظاهرية لا جدوى منها يمارسها عموم المسلمين الذين لم يرتووا بعد بالفيض الباطني والوجد الإلهي ومن ثم فهي تصطنع أو تفتعل خصوصية بأفضلية أهل الباطن على أهل الظاهر ومن ثم تصنع العنصرية التي تنقدها وتنفِّر منها في مواضع أخرى من الرواية.

فمثلا يقول شمس: "وبفضل الموسيقى والشعر والرقص اكتمل قدر كبير من تحول الرومي الذي كان عالما متشددا لا يحب الشعر وخطيبا يستمتع بسماع صوته وهو يلقي خطبته على الآخرين لكنه بدأ يتحول الآن إلى شاعر وبدأ يصبح صوت الفراغ الصافي لكني لا أظن أنه حقق ذلك تماما" (انظرالرواية: ص-400)

أ- المتعصب والأسلوب الاستنكاري:
وتستعرض الكاتبة رأي المتعصب في أسلوب وسياق منفر للغاية فالمتعصب يتحدث مستنكرًا أمور عدة ومن ثم فالنتيجة المنطقية التي يجب أن يصل إليها قارئ كلام المتعصب هي أنه خاطئ في فهمه وأن استنكاره غير صحيح ومما قاله مثلا: "يذهب الصوفيون شأوا بعيدا إلى حد أنهم يدّعون أن الشريعة مجرد مرحلة في الطريق وأنا أتساءل أي مرحلة، عما يتكلمون؟... ويجادلون -الصوفيون- بأن الشخص المتنور لا يمكن أن تقيده قواعد المراحل الأولى.
- وبما أنهم يدعون أنهم بلغوا مرتبة سامية فإنهم يتخذون ذلك ذريعة لتجاهل قواعد الشريعة وعدم الأخذ بها بجدية إذ يبدو أنهم يعتبرون الشراب والرقص الموسيقى والشعر والرسم أمورا أهم من الواجبات الدينية.
ويقولون بما أنه لا توجد تراتبيّة في الإسلام فإنه يحق لكل إنسان البحث عن الله في الظاهر يبدو هذا الكلام جيدا لا ضرر منه ولا أذية لكن بعد التعمق في الأمر يتبين لك وجود جانب شرير في فحوى كلامهم وهو أنه لا حاجة للاستماع إلى الهيئة الدينية.
فالشريعة ومن ثم اتباع العبادات والاستماع للهيئة الدينية كل هذه تتبع مرحلة لم يتخطاه السني بعد وما بعدها من مراحل لا يفقهها العامة وهم الغير متصوفة تجسد الجهل والتشدد في آن واحد.

وتستكمل على لسان المتعصب قائلة: 
-ويعتبر الصوفية أن القرآن الكريم مليء بالرموز الغامضة والتلميحات المتعددة الطبقات وانه يمكن تفسير كل منها بطريقة صوفية باطنية لذلك فهم يدرسون كيف أن كل كلمة تتحول إلى عدد ويدرسون المعنى الخفي للأعداد ويبحثون عن الإشارات والمراجع الخفية في النص ويبذلون كل ما في وسعهم لتحاشي قراءة رسالة الله بسهولة ووضوح.

بل يدعي الصوفيين أن البشر هم قرآن الله الناطق نفسه فإذا لم يكن هذا الكلام كفرا مطلقا فأنا لا أعرف ما هو؟
وهناك الدراويش الجوالون وهم مجموعة مشوشة أخرى من الأشخاص غير الأسوياء الذين اختلطت عليهم الأمور.
القلندرية والحيدرية وأسماء عدة يعرفون بها وأنا -المتعصب- أقول أنهم أسوأ خلق الله فما هي الأمور المفيدة التي يمكن أن يجلبها رجل لا يمكنه الاستقرار في مكان واحد فإذا لم يكن لدي المرء إحساس بالانتماء فقد يطوف في جميع الاتجاهات مثل ورقة شجرة هشيم تذروها الرياح إنه الضحية المثالية للشيطان"  (انظر الرواية ص 222-224)

ب- الملامتية وهدم الشريعة:
كما تجسد الكاتبة فكر الملامتية* ففي الرواية يأمر شمس التبريزي تلميذه الرومي بالعديد من الأوامر المخالفة للشريعة الإسلامية ناهيك عن العرف السائغ؛ فيأمر الرومي بأن يذهب لاحتساء الخمر لتشويه سمعته وكسر كبريائه؟!
فيدخل الرومي حانة ويطلب كوبا من الخمر يحتسيه وسط استغراب جميع من في الحانة، يسأله سليمان السكران - أحد مرتادي الحانة- عن سر تواجده في حانة خمر فيجيبه أنه يمر بتجربة صوفية، "لقد أرسلني شمس إلى هنا لتشويه سمعتي ".

وبهذا المنطق توهمنا الكاتبة بجواز هذا الفعل فالشريعة لا تهمها فهي لعوام الناس لا لخواص الخواص كما أن الجهر بالمعصية او كما تنقل عنه "تشويه سمعته" في سبيل طاعة معلمه لا يعد ذلك تسلطًا ولا انتهاك لحقوقه الفردية الخاصة وفي المقابل فان هدم شريعة الله تعالى في شربه للخمر لا مشاحة فيه وليس هذا تضييع حق الله تعالى ولا معصية لأمره... ويبدو أن الولي عند هؤلاء لم تفق مكانته مكانة النبي فحسب بل فاقت مكانته مكانة الله تعالى حين يطاع الولي من دون الله فيحل ما حرم الله!

فالرومي يجيب على سؤال سليمان السكران: "لماذا حرمت الخمر؟"
قائلا: "إن الخمر ليست شرابا بريئا وانها تخرج أسوأ ما فينا وفي نهاية الأمر ليشرب من أراد وليمتنع من أراد عن الشراب من أراد فلا يحق لنا أن نفرض أساليبنا على الآخرين ولا إكراه في الدين" (انظر الرواية – ص351).
واحتساء الخمر ليس سوى خرق للمبادئ، أما الحلال والحرام فقد استبدل لديها بمصطلح "القيود الدينية" التي لا يجب أن نؤمن ولا نلتزم بها فالرومي -بدافع من طاعة التبريزي فيما ينصحه- يمسك قنينة الخمر بيد مرتعشة حتى يشرب منها، ويقول: "إن المبادئ والقيود الدينية مهمة لكنها يجب ألا تتحول إلى محرمات بهذا الفهم أجرع الخمر الذي تعطيني إياها اليوم مؤمنا من كل قلبي بأنه توجد رجاحة عقل ورزانة بعد ثمالة الحب". 

ج‌- الرقص ومحورية الإنسان:
ولا تكتفي الكاتبة بذلك بل تتبنى فكرة جديدة فيما تدعيه بالكفر الحلو واستخدام الحب المحرم والسكر الإلهي والرقص كعبادات روحية!
فبنفس المبدأ تبرر الكاتبة الرقص وتجعل حقيقة فساده أمرا نسبيًا وتجعل المعيارية الصحيحة هي الحكم البشري وليس الرباني على الأمور، فالبعض قد يرى الرقص أمرًا مشينًا سيئا والبعض قد يراه تعبدا وتنسكا!
والقيم الجمالية تعتمد في حقيقتها وتعود على الشخص ذاته لا على الجمال كقيمة ثابتة في حد ذاته فكما يقول شمس: " الجمال في عين ناظره، إذ سيرى الجميع الرقصة نفسها لكن كل شخص يراها بطريقة مختلفة إذا لما القلق؟ فالبعض سيحبها والبعض الآخر لن يحبها". (انظر- الرواية ص386).

هكذا جميع الشرائع والقيم والمبادئ نسبية والثابت الوحيد لدى الكاتبة هو الإنسان نفسه محور الكون وما يحمله من الذوق والرمز والإشارة، وهي بهذا لا تختلف كثيرا عن الفكر النفعي الغربي وما يعتقده من أن اللذة الفردية والذوق الشخصي هو أساس السلوك والأخلاق, سوى في إضفائها بعض من الصبغة الدينية.

وتقول: "مع مرور العمر يتعين على المرء مواصلة السير مع أنه لا توجد نقطة معينة يمكن بلوغها فالكون يتحرك يدور بثبات واستمرار وكذلك الأرض والقمر لكن ما يجعله يتحرك هو سر يكمن في داخلنا نحن البشر وبهذه المعرفة سنرقص نحن الدراويش بطريقتنا من خلال الحب والأسى حتى لو لم يفهم أحد ما نفعله سنرقص في خضم القلاقل أو في وسط الحروب سنرقص في جراحنا وأحزاننا ببهجة وانتشاء وحدنا ومعا ببطء وبسرعة مثل تدفق الماء سنرقص في دمنا." (الرواية ص490-491).

-    وبالإضافة إلى ذلك نرى العديد من البدع العقدية في أقوالها مثل ادعاء الدراويش الراقصين بأنهم يستقبلون الحب من الله إلى البشر عبر رقصاتهم!
تقول: "والرقصة التي أسموها "سماح" هي رقصة الدراويش يقول الرومي: "سيرقصها الدراويش في جميع الأزمان يد متجهة إلى السماء واليد الأخرى متجهة إلى الأسفل نحو الأرض فكل نقطة حب ننالها من الله نتعهد بتوزيعها على الناس جميعا". (الرواية-ص389).

ويقول شمس: "مستسلما ومسلما نفسه بين يدي الله بدأ الدرويش الأول يدور وبدأت حواشي ثوبه تحف برقة في حياة منفصلة بحد ذاتها ثم انضممنا جميعا إليه لم يبق شيء حولنا سوى الواحد وكنا ننقل كل ما نتلقاه من السماء إلى الأرض من الله إلى الناس وأصبح كل واحد منا حلقة تربط بين الحبيب والمحبوب وعندما توقفت الموسيقى انحنينا لقوى الكون الأساسية النار الريح والتراب والماء والعنصر الخامس الخواء".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

* "الذين دفعهم الخوف من مدح الناس إلى الظهور فيهم بما يستجلب الملامة والذم، وذلك بمخالفة التكاليف الشرعية" (موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية (7/ 424، بترقيم الشاملة آليا)، بتصرف).

المصدر: فريق عمل طريق الإسلام
  • 14
  • -1
  • 22,046
المقال السابق
(2) شخصية جلال الدين الرومي
المقال التالي
(4): تسلل الفكر الإرجائي والحلولي في الرواية.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً