مع القرآن - إياكم وكفران النعم

منذ 2015-05-27

على المؤمن الفطن أن يتعظ من قصص القرآن وأحوال الأمم السابقة، حتى لا يقع فيما وقع فيه الأولون، ومن الأمم التي أفرد الله تعالى لها في القرآن مساحة كبيرة (أمة بني إسرائيل)، وذلك تحذيرًا لما بدر منهم، وإنذراً بما وقع لهم من العقوبة حتى لا تتكرر المآسي..

الله عز وجل ليس بينه وبين أحد من خلقه أي نسب.. 
فلو بدل الخلق وابتعدوا وكفروا النعم وبارزوا الخالق بالعصيان والطغيان، ستُجرى عليهم سنن الله كما كانت السنن في الأولين، وذلك بعد الإمهال وإعطاء الفرص.

لذا فعلى المؤمن الفطن أن يتعظ من قصص القرآن وأحوال الأمم السابقة، حتى لا يقع فيما وقع فيه الأولون، ومن الأمم التي أفرد الله تعالى لها في القرآن مساحة كبيرة (أمة بني إسرائيل)، وذلك تحذيرًا لما بدر منهم، وإنذراً بما وقع لهم من العقوبة حتى لا تتكرر المآسي..

أنزل الله عليهم النعم تترى ونبيهم معهم وأولواحهم بين أيديهم وطعامهم وشرابهم مكفول، معجزات باهرات وآيات بينات، والنفس الدنيئة تأبى إلا كفران النعم، فبدلاً من الشكر كان الكفرانً 

قال تعالى:
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة:61].

قال العلامة السعدي رحمه الله:
"أي: واذكروا، إذ قلتم لموسى، على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها، {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} أي: جنس من الطعام، وإن كان كما تقدم أنواعًا، لكنها لا تتغير، {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا} أي: نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه، {وَقِثَّائِهَا} وهو الخيار {وَفُومِهَا} أي: ثومها، والعدس والبصل معروف، قال لهم موسى {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى} وهو الأطعمة المذكورة، {بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} وهو المن والسلوى، فهذا غير لائق بكم، فإن هذه الأطعمة التي طلبتم، أي مصر هبطتموه وجدتموها، وأما طعامكم الذي من الله به عليكم، فهو خير الأطعمة وأشرفها، فكيف تطلبون به بدلًا؟

ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لأوامر الله ونعمه، جازاهم من جنس عملهم فقال: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} التي تشاهد على ظاهر أبدانهم {وَالْمَسْكَنَةُ} بقلوبهم، فلم تكن أنفسهم عزيزة، ولا لهم همم عالية، بل أنفسهم أنفس مهينة، وهممهم أردأ الهمم، {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} أي: لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا، إلا أن رجعوا بسخطه عليهم، فبئست الغنيمة غنيمتهم، وبئست الحالة حالتهم.

{ذَلِكَ} الذي استحقوا به غضبه {بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} الدالات على الحق الموضحة لهم، فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم، وبما كانوا {يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.

وقوله: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} زيادة شناعة، وإلا فمن المعلوم أن قتل النبي لا يكون بحق، لكن لئلا يظن جهلهم وعدم علمهم.
{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا} بأن ارتكبوا معاصي الله {وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} على عباد الله، فإن المعاصي يجر بعضها بعضًا، فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير، ثم ينشأ عنه الذنب الكبير، ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير ذلك، فنسأل الله العافية من كل بلاء.

واعلم أن الخطاب في هذه الآيات لأمة بني إسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن، وهذه الأفعال المذكورة خوطبوا بها وهي فعل أسلافهم، ونسبت لهم لفوائد عديدة، منها: أنهم كانوا يتمدحون ويزكون أنفسهم، ويزعمون فضلهم على محمد ومن آمن به، فبين الله من أحوال سلفهم التي قد تقررت عندهم، ما يبين به لكل أحد منهم أنهم ليسوا من أهل الصبر ومكارم الأخلاق، ومعالي الأعمال، فإذا كانت هذه حالة سلفهم، مع أن المظنة أنهم أولى وأرفع حالة ممن بعدهم فكيف الظن بالمخاطبين؟

ومنها: أن نعمة الله على المتقدمين منهم، نعمة واصلة إلى المتأخرين، والنعمة على الآباء، نعمة على الأبناء، فخوطبوا بها، لأنها نعم تشملهم وتعمهم.

ومنها: أن الخطاب لهم بأفعال غيرهم، مما يدل على أن الأمة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها، حتى كان متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد، وكان الحادث من بعضهم حادثًا من الجميع، لأن ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع، وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع.

ومنها: أن أفعالهم أكثرها لم ينكروها، والراضي بالمعصية شريك للعاصي، إلى غير ذلك من الحِكَم التي لا يعلمها إلا الله".

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 0
  • 0
  • 4,310
المقال السابق
{كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ}
المقال التالي
مؤمنو كل أمة في كنف الله

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً