من هو الشيخ أحمد المحلاوي الذي حاصره مراهقو السياسة في مسجد القائد إبراهيم بالأسكندرية؟
اشتهر الشيخ المحلاوي في السبعينات من القرن العشرين بصفته إمام وخطيب مسجد القائد إبراهيم في الأسكندرية، الذي يتناول قضايا الساعة السياسية والاقتصادية في خطبة الجمعة وفي دروسه بالمسجد، وكان يصدع بالحق ويعلن معارضة سياسات السادات السياسية والاقتصادية، وكان ينتقد السلوك الاجتماعي والاقتصادي لأسرة السادات، وخاصة زوجته السيدة جيهان..
كتبت هذا المقال في ديسمبر 2013 وقت محاصرة الشيخ في مسجده:
فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي محاصر منذ صلاة الجمعة وحتى كتابة هذه السطور في مسجد القائد إبراهيم بالأسكندرية، والكثيرون لا يعرفون تاريخه لأنهم لم يكونوا ولدوا وقت أن كان هذا الشيخ الأزهري الجليل يناضل ضد الحكام الظلمة من أول السادات وحتى حسني مبارك، وفي السطور التالية سأذكر نقاط تمثل محطات رئيسة في حياة الشيخ أطال الله في عمره وبارك فيه..
- اشتهر الشيخ المحلاوي في السبعينات من القرن العشرين بصفته إمام وخطيب مسجد القائد إبراهيم في الأسكندرية، الذي يتناول قضايا الساعة السياسية والاقتصادية في خطبة الجمعة وفي دروسه بالمسجد، وكان يصدع بالحق ويعلن معارضة سياسات السادات السياسية والاقتصادية، وكان ينتقد السلوك الاجتماعي والاقتصادي لأسرة السادات، وخاصة زوجته السيدة جيهان، وكان يستند في ذلك على المعلومات التي كانت تنشرها الصحافة المصرية المعارضة والمستقلة والإسلامية، وكذلك الصحافة الأجنبية، وقد ضاق السادات بمعارضته له ذرعًا وكان يهاجمه في خطبه.
- عندما قرر السادات البطش بكبار رموز المعارضة من الإسلاميين واليساريين والليبراليين والمسيحيين، أصدر قرارات اعتقال في 5 سبتمبر 1981م باسم قرارات التحفظ شملت (1500 شخصًا)، وقال السادات وقتها أن هذه دفعة أولى، ولو المعارضة لم ترتدع فسوف يصدر قرارًا يشمل اعتقال (1500 آخرين)، وكان من بين المعتقلين (حسنين هيكل، وفؤاد سراج الدين) وقيادات الأحزاب خاصة الوفد والتجمع وغيرهم، وقيادات وأعضاء من الإخوان المسلمين، والقطبيين والجماعة الإسلامية والجهاد ومستقلين.. وكان من بين من تم اعتقاله الشيخ أحمد المحلاوي.
- كان اعتقال المحلاوي حينئذ له ظروف مختلفة عن بقية المعتقلين لعدة أسباب:
فأولاً: كان كل أهل الأسكندرية يحبونه لمعارضته القوية والعلنية للسادات، وأيضًا لأنه كان يقوم بأعمال مجتمعية وخيرية واسعة بمساعدة الفقراء والأرامل واليتامى، سواء في مجال المعيشة أو العلاج، كما كان ينسق دروسًا خاصة لطلبة كليات الطب والعلوم والهندسة الفقراء بالمسجد، كما كان يساعدهم في الحصول على الأدوات والكتب المطلوبة لدراساتهم ولمعاملهم، وكل ذلك عبر جمعه الأموال من المتصدقين وتخصيصها وتوزيعها في هذه الأغراض، ومن هنا فقد خرج نحو مليون متظاهر بالأسكندرية صبيحة اعتقاله مما أجبر مباحث أمن الدولة لإطلاقه من الاعتقال لتهدئة الناس، وبعد أن هدأ الناس بعدة أيام أعيد اعتقال الشيخ أحمد المحلاوي مرة أخرى.
وثانيًا: كان الشيخ أحمد المحلاوي أبرز معارض لنظام الحكم حينئذ من حيث كراهية السادات الشديدة له، وبالتالي فإن السادات أوصى أنه ينكل به في السجن أكثر من بقية الـ1500 معتقل الأخرين، ولذلك فكلهم تم وضعهم في سجن استقبال طرة، والذي كان أحدث سجون مصر حينئذ، وأكثرها آدمية -كانوا هم أول من يدخل هذا السجن فور الانتهاء من تشييده، وكان يطلق عليه داخل السجون الأخرى اسم الفندق-، بينما تم وضع الشيخ أحمد المحلاوي في أسوأ مكان بسجن ليمان طرة، وهو عنبر التأديب حيث لم يكن يوضع في هذا المكان حينئذ سوى الخطرين جدًا من المجرمين وتجار المخدرات، وخطب السادات بعد ذلك وذكر في خطابه فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي باسمه، ثم قال قولته البذيئة المشهورة "أهو مرمي في السجن زي الكلب".
وبعد ذلك بنحو شهر واحد وفي 6 أكتوبر 1981م اغتال الملازم أول مدفعية خالد الإسلامبولي ورفاقه الرئيس محمد أنور السادات، وذكروا في تحقيقات النيابة معهم أن قتلهم للسادات جاء لعدة أسباب، ومنها أنه تطاوله على علماء الإسلام، فقال عن الشيخ (حافظ سلامة): "المجنون بتاع السويس"، وقال عن الشيخ المحلاوي: "أهو مرمي في السجن زي الكلب"، بعدما قتل السادات أفرج مبارك عن الـ(1500 معتقل) الذين كان السادات قد اعتقلهم، ولكن لم يسمح للمشايخ الأزهريين من العودة للخطابة والتدريس في مساجدهم، ومن هؤلاء المشايخ الذي خرجوا من المعتقلات ومنعوا من الخطابة وتدريس العلم فضيلة الشيخ (عبد الحميد كشك، ود. عبد الرشيد صقر، والشيخ أحمد المحلاوي) وآخرون..
إلا أن الشيخ المحلاوي استمر في الطواف في محافظات مصر المختلفة يلقي الخطب والدروس الدينية والسياسية المعارضة للرئيس المخلوع حسني مبارك، مما دعا مباحث أمن الدولة للقلق من انتشار أفكاره في كافة محافظات مصر، فطلبوا من وزارة الأوقاف إعادته لمسجده بالأسكندرية -القائد إبراهيم- لإشغاله به عن الطواف بالمحافظات المختلفة، ولما لم تفلح هذه الحيلة في وقف نشاط المحلاوي بالمحافظات -وكان وقتها في الخمسينات من عمره على ما أذكر- فإن مباحث أمن الدولة استخدمت القمع عبر منعه من مغادرة الأسكندرية بالقوة عبر قوات الشرطة.
وظل المحلاوي مجاهدًا ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك بخطبة الجمعة والدروس في مسجده بالأسكندرية، لدرجة أنه في مرحلة ما ألقى سلسلة من الخطب والدروس يدلل فيها على كفر وظلم وطغيان حسني مبارك، وتم تسجيلها -كما حدث لجميع خطبه ودروسه- على شرائط الكاسيت وانتشرت في كل أنحاء مصر، ولم يخش من مباحث أمن الدولة ولا من مبارك، وظل الشيخ مناضلاً إلى أن وهنت صحته وأحالته الأوقاف إلى المعاش فلزم بيته بسبب ضعف صحته، ولكن عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011م فإن اغتباطه وفرحه بهذه الثورة التي أطاحت بالطاغية الذي فنت صحة الشيخ في النضال ضده هذا الفرح رفع روحه المعنوية، مما انعكس على حالته العامة فانطلق يشارك في فاعليات ثورية بالأسكندرية منذئذ كما عاد للخطابة بمسجده السابق "مسجد القائد إبراهيم"، إلى أن حاصره مجموعة من المراهقين سياسيًا وحتى الآن في هذا المسجد الذي شهد نضال الشيخ ضد طاغيتين من طغاة مصر (السادات ومبارك) قبل أن يولد هؤلاء المراهقون سياسيًا المضللون فكريًا.
ولا بد أن أذكر في النهاية شهادتي عن زهد فضيلة الشيخ المحلاوي، فهو رغم أن ملايين الجنيهات مرت عبر يده ووزعها على الفقراء، ورغم أنه كان يمكنه السفر للعمل بالخليج، ولكنه فضل الجهاد السياسي في مصر، ورغم ذلك كله فقد زرت فضيلة الشيخ عام 1989م عدة مرات في شقته المكونة من غرفة -أو ربما غرفتبن- وصالة فوق سطح عمارة في الأسكندرية يسكن فيها هو وأسرته، وأثاثها متواضع ولم يكن لديه سيارة ولا سكرتير ولا أي شيء ذي بال، وأظن أن حاله كما هو حتى الآن.
هذه كلها نقاط مختصرة من حياة الشيخ المحلاوي ونضاله، ولا توفي الشيخ حقه من الترجمة والتأريخ، لكن دفعني لها أنني صدمت بأجيال حالية مراهقة سياسيًا ومضللة فكريًا تحاول أن تسيطر بالبلطجة على المشهد والشارع السياسي المصري، دون أن يدركوا لا حقائق الفكر ولا التاريخ ولا السياسة، لأن من يحرضونهم ويضللونهم ويستفيدون من حركتهم لن يمكنهم ذلك سوى بتزييف الحقائق لتتم عملية تضليلهم بنجاح.
- التصنيف:
Mahmoud gomaa
منذ