الثقة

منذ 2015-06-06

ثمة فارق بين التصديق العملي والنظري، وكم من أمور مبلغ تصديقنا لها المعرفة النظرية الجافة وحسب، كم من أمور نستطيعها لكننا فقط لا نوقن أننا نستطيعها، كم من أشياء ثُبطنا عنها لافتراض الصعوبة المسبقة، فقررنا ألا نجربها أصلاً..

كنت دومًا منذ صغري أتمنى تعلم السباحة! كنت أنظر لمن يجيدون السباحة نظرة تقدير وإعجاب، وأحيانًا انبهار! كيف توفرت لديهم تلك الشجاعة حتى جرأوا على ألا تلمس أقدامهم الأرض، بينما يثقون لهذه الدرجة أن أجسادهم الثقيلة ستطفو ولن تغرق كأي صخرة صماء تحترم نفسها..

نعم أعرف قوانين الطفو جيدًا وأدرك خصائص المياه التي حباها بها الله الذي من آياته الجوار في البحر كالأعلام، والذي إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره.. لكن التنفيذ شيء آخر!

لطالما ظننت أن مثلي لن يستطيع تعلم السباحة أبدًا، وأن الأمر صعب للغاية ثم تعلمتها..
والعجيب أن الأمر لم يستغرق إلا دقائق معدودات! جملة واحدة قالها لي أخ فاضل بعد إقناع طويل كي أقبل المحاولة، جملة ربما كنت أعرف فحواها، لكنني لم أفكر يومًا أن معرفة نظرية لن تكفي، وأنه لا بد من شيء آخر مهم للغاية! الثقة..

ولقد كنت أثق في هذا الشخص وأعرف أنه لن يخدعني..
- "سيب نفسك بس ووالله المَيَّه هتشيلك"، هكذا أكد جازمًا، وهكذا صدقته، وتركت بدني دون تشنج، ونبذت شعور الغرق المفترض، وطفوت، ثم سبحت، وبعد دقائق كنت أسابق غيري!

صحيح هُزمت في السباق بحكم الوزن وقلة الخبرة، لكن قطعت المسافة دون أن تمس قدمي الأرض،
وفي النهاية وصلت، هكذا ببساطة.. فقط حين صدَّقت!

وهل كنت مكذبًا قبل ذلك؟!
الجواب: لا ولكن ثمة فارق بين التصديق العملي والنظري، وكم من أمور مبلغ تصديقنا لها المعرفة النظرية الجافة وحسب، كم من أمور نستطيعها لكننا فقط لا نوقن أننا نستطيعها، كم من أشياء ثُبطنا عنها لافتراض الصعوبة المسبقة، فقررنا ألا نجربها أصلاً.. 

وحين نثق أن الأمر ممكن وأننا نستطيع.. 
حينئذ فقط سنفاجأ بأن كثيرًا من الأشياء كانت متاحة وسهلة وممكنة، لكن المشكلة كانت في أنفسنا وتصوراتنا المفترضة، وقلة أو انعدام ثقتنا ويقيننا وحسب. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 2,603

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً