كيف تجعل من الكرتون وسيلة تربوية مؤثرة؟
ينبغي أن يكون الوالدان على قدر من اليقظة وصحة في المفاهيم والتصورات، ليتنبها لمفاهيم غرستها وتغرسها مواد الكرتون عامة، في ظاهرها تبدو حميدة، لكن ظلالها العقدية ليست كذلك، من ذلك مفهوم الثقة بالنفس للدكتور (ذاكر الهاشمي)، والدكتور (جمال الباشا)، مقالان جميلان في تحرير المفهوم وتقويمه وفق التصور الإسلامي الصحيح..
أفلام الكرتون ومسلسلات الرسوم المتحركة هي من أكثر ما يمكن أن يعين على صقل ملكة الخيال وقدرات التعبير لدى الأطفال، أو تشويهها وطمسها، وإذا أحسنت الإفادة منها تختصر كثيرًا من المشوار التربوي في تعهد وتهذيب اللسان القويم للنشء، وتعميق الحس المرهف والميل للتأمل والتفكر لديهم، وهذه هي الملكات الوجدانية التي نعاني كثيرًا في تقويمها أو إعادة غرسها في البالغين بعد أن تداخلها عوامل التشويه والطمس.
فيما يلي مفاتيح تعين على الإفادة منها لهذه الغايات بعون الله تعالى:
1- الانتقائية.
لا بد أن تنتقي ما يشاهده أطفالك ولا تكتفي بتركهم أمام قناة مفتوحة على الدوام، لأن الرسائل والقيم التي ترسلها تلك المواد ترسخ في النفس سريعًا وطويلاً، وتصطبغ بها سلوكيات وأنشطة هذه المرحلة الجوهرية، مرحلة الغرس في عمر الطفل، وكذلك ينبغي مراعاة جودة الرسوم وجاذبيتها الفنية، لأن هذا مما يعود الطفل على معايير فنية ودقة تقييم للجمال من صغره..
فليس الشأن في توفير قنوات ذات طابع معين وتحجيمه فيها باعتبارها "آمنة"، بل بشيء من الجهد وصرف الوقت لهذا المجال المهم الذي يشكل 08% على الأقل من اهتمام الأطفال حتى مرحلة البلوغ وربما بعدها، سيتبين أن هنالك كثيرًا من المسلسلات والأفلام الرائعة والهادفة والمنضبطة، وأن ليس على تلك القنوات المعينة، ومن عظيم نعم الله تعالى توافر الإنترنت وبوابتها المفتوحة وقوائم ومواقع بالأفلام والمسلسلات الهادفة لمختلف الفئات العمرية.
2- المنهجية.
كذلك حبذا لو يعد الوالدان أو أحدهما قائمة منهجية بحسب العمر وقدرة الاستقبال، والمفاهيم أو الآداب التي يهدفان لإيصالهما للأطفال من خلالهما، وقد تعني هذه الخطوة أن يطلع الوالدان على محتوى المادة أو حلقات منها أو حتى قراءة، نبذة عنها لفهم الفكرة الإجمالية، هذا المفتاح بقدر ما يبدو شاغلًا في البداية، فهو يوفر الكثير من محاضرات الوعظ والإرشاد والتوجيه، لأنه يغرس الرسائل المرادة بصور محببة للطفل، وبالتالي يكفي أن تتيح له مواقف مماثلة فتجده يقلد أبطاله تلقائيًا، خاصة لو كنت حريصًا على تذكيره بهم وربطه بالشخصية التي يتابعها بالطرق المذكورة تاليًا.
3- النقاش.
النقاش لب الإفادة التربوية من هذه المواد، والمدخل العملي لتعويد الطفل على ملكة التدبر ومنهجية التمحيص السليم فيما يقدم له، لا تشربه تشربًا أصمًا، وهنا يأتي دور استعداد الوالدين نفسيهما بخلفية عن المادة الكرتونية من ناحية، وخلفية أوسع عن المفهوم أو مادة النقاش التي يثيرانها مع الطفل، بحيث يمكنهما التبسيط أو التعميق بحسب مستواه.
فينبغي أن يتابع الوالدان أو أحدهما الحلقات أو الفيلم مع الطفل أثناء عرضه، إذ من ناحية هذا يعمق الجو الأسري والأواصر بينهم بما يتشاركون من تعليقات وانفعالات خلاله، ومن ناحية أخرى بعد انتهاء العرض يناقشان الطفل في انطباعاته، ما الذي أعجبه وما الذي لم يعجبه، ولماذا في كلتا الحالتين، وما مدى إعجابه بدقة الرسوم وصدق تعبيرات الوجوه لتنمية الذائقة الفنية، وكذلك استخلاص القيم التي بثتها المادة وموافقتها أو مخالفتها لتصورات ديننا.
وينبغي أن يكون كل ذلك بطريق الحوار لا التلقين، بحيث يشعر الطفل أنه مشارك في صناعة فكره الخاص، لكن على أسس وثوابت يقوم عليها رشيدًا من صحيح الدين، فلا يشتط ولا يحيد ولا ينفلت بلا توجيه، هكذا تتحول المشاهدة من فعل تلق سلبي إلى صالون ثقافي وإثراء فني للطفل ووالديه على السواء، ويأمنان تسرب أفكار أو تسلل خواطر غير حميدة لرؤوس الأطفال.
كل هذه الخطوات قابلة للتطبيق على مختلف الأعمار، وإنما الاختلاف في درجة العمق والتبسيط غير السطحي، لأن الهدف منها تنشئة طفل يقظ متنبه، محلل للأفكار بمنهجية سوية سليمة، مستقاة من صحيح الدين لا تناقل الأعراف، وكذلك تربيته على إدارة الحوار وملكة التعبير عما يجول بخاطره، وحبذا لو كان ذلك بالفصحى مهما تكسر فيها الوالدان، فالطفل في هذا السن ينطلق بها لأنه يسمعها كثيرًا. ولا يضر ملكته هو عدم إتقان والديه لمخارجها، لكن تفويتها عليه بالكلية سيجعل من الصعب إقامة لسانه بها لاحقًا.
4- جديّة المتابعة والربط.
أي الحرص على دوام ربط الطفل بما يشاهد من أفعال حسنة وخصال حميدة ليقلدها، مع ردّه لمنبعها الأصيل من ديننا، والربط بين هذين وكنوزنا من السير والتراث في منظومة واحدة بديعة، يشعر الطفل معها بجو منسجم يعمق فيه القيم والمبادئ من قنوات مختلفة، ونلفت النظر إلى أنه لا بد ستطل تساؤلات أثناء النقاش مع الأكفال، لعل الوالدين لا يملكان إجابتها الفورية، فلا بأس أن يقولا إنهما لا يعلمان، لكنهما سيشاركان أبناءهما البحث والتعلم عنها، ويجعلون لها موعدًا محددًا يتناقشون فيما وصلوا إليه بعد البحث، ولا يكن الوعد وعد مماطلة أو تسويف والسلام، لأن هذا البحث هو رسالة تربوية بأهمية الاستقصاء والوقوف على الحق، وعدم الركون للحيرة وترك علامات الاستفهام تحوم بغير عناية.
5- إطلاق أجنحة الخيال.
وذلك بتشجيع الطفل على توقع القادم في الحلقة التالية، وحكاية تصوره الخاص، وكذلك نسج أبطال وقصص مماثلة من خياله، ويساعده الوالدان بمفاتيح للقصص، وحبذا لو يكون ذلك مصحوبًا بتشجيع على الرسم، ومشاركة وجدانية حقيقية من الوالدين بالاستماع وتعابير الوجه، واقتراح أفكار، وفي مراحل متقدمة وسواء مع إخوته أو والديه أو أقاربه، يمكن تمثيل ما يكتبه الطفل في جو عائلي اجتماعي، مصحوب بالثناء على الحسن مع التوجيه للأحسن.
6- القراءة.
ختام المسك لهذه المنهجية التفاعلية هي تخصيص وقت للقراءة مع الطفل، بنفس الطرق السابقة، بالحرص على "تمثيل" الأدوار والأصوات، والتفاعل التعبيري معها ومع الطفل، واتباع منهج النقاش والأسئلة، ومع تقدم الطفل في العمر يفضل أن توكل إليه القراءة والأداء التعبيري، مع تشجيع الوالدين، وتوزيع الأدوار على الأطفال إذا تعددوا.
7- الحذر من ظلال المفاهيم.
ختامًا: ينبغي أن يكون الوالدان على قدر من اليقظة وصحة في المفاهيم والتصورات، ليتنبها لمفاهيم غرستها وتغرسها مواد الكرتون عامة، في ظاهرها تبدو حميدة، لكن ظلالها العقدية ليست كذلك، من ذلك مفهوم الثقة بالنفس للدكتور (ذاكر الهاشمي)، والدكتور (جمال الباشا)، مقالان جميلان في تحرير المفهوم وتقويمه وفق التصور الإسلامي الصحيح، يمكن مراجعتهما على الروابط المذكورة، وهما يلقيان الضوء في منهجية تفكر، نعيد بها النظر في كثير من القيم التي تروج للإنسان محورًا لنفسه وللكون، وليس سوى الله تعالى وحده محورًا وغاية ومردًا.
هدى عبد الرحمن النمر
كاتبة وأديبة ومترجمة ومحاضِرة ، في مجالات اللغة والأدب والفكر والتعليم مدونة الكاتبة : https://hmisk.wordpress.com/