من يجعل الوطن في مقابل الإسلام؟
ليس هناك خلاف على حب البلاد أو تنميتها أو النهوض بها، بل مستقبلها في يد الإسلاميين أضمن وأوثق لأن انتماءهم له بعده العقدي وضمير الآخرة، المشكلة في المنهج نفسه الذي يقود البلاد، من يرفض منهج رب العالمين تعالى يجعل تحججه بحب البلاد والخوف عليها هو مبرر رفض الإسلام وهويته وشريعته وأحكامه، وفرائضه الاجتماعية والسياسية كـ(الحرية والعدالة الاجتماعية).
الإسلام يمثل للمسلم جنسية وهوية تولد من لحظة إسلامه، كما يمثل له منهجًا ربانيًا، كما يمثل له عقيدة متميزة، وعمق زماني مع مسيرة الأنبياء، وامتداد مكاني الى الملأ الأعلى، العقيدة وطن وجنسية، والعلاقة بالله تعالى أكبر أثرًا وجدية من العقائد المبتورة المنعزلة التي تتعلق بجانب شخصي منعزل عن الحياة العامة، كما في غيره من العقائد.
الوطن عاطفة مفطور عليها الإنسان، ويأخذ قيمته من أنه حوزة المسلمين يقام عليه هذا الدين فهو (وطن إسلامي) وكل جزء فيه له حرمته ولا يجوز التنازل عنه لعدو يغتصبه وإلا أثم الجميع، بل يجب على بقية المسلمين الجهاد ضد أعداء الأمة حتى لا يسقط جزء من بلاد الإسلام، كما يجب الجهاد لاسترداد ما غصبه الكفار.
حب الوطن الفطري له احترامه في الدين والاعتراف به في إطاره الصحيح.
الانتماء للوطن بكل معانيه البناءة جزء من الانتماء للإسلام ولأمته.
هذه حقائق شرعية وفطرية.. لكن في المقابل يُعرض الوطن على أنه انتماء بديل عن الهوية الإسلامية ومقدمًا عليها، بل يجعلون الانتماء الإسلامي العقدي خيانة للوطن، وتصبح علامة الإخلاص للوطن هي معاداة التيار الإسلامي وقبول إسرائيل وإذابة الفوارق العقدية مع غير المسلمين، وقبول التغريب والثقافة المعادية للإسلام، وقبول التآمر على الأقطار العربية والإسلامية تحت حجة ومسمى الخط الدولي والشرعية الدولية..
الإسلاميون يحبون أوطانهم بإخلاص شديد، يريدون تنميتها وتقدمها واستقلالها وتخلصها من التبعية، وتحقيق العدالة العامة والاجتماعية والحريات وإقامة منهج الله تعالى، كما يريدون حماية الأوطان الإسلامية والتخلص من الغاصب الصهيوني، والتقدم بهذا البلد والوصول مع البلدان الإسلامية إلى أن يمثل كتلة اقتصادية وسياسية وحضارية وعسكرية، لها حسابها ووزنها وكلمتها المفروضة على المجتمع البشري ممثلة لأمر الله تعالى، ومنهجه ورسالة الرسل.
أرجو مراجعة الرسائل (شهداء الحرس، والمنصة) وغيرهم إلى أولادهم وتعبيرهم عن حبهم لدينهم وبلادهم، وأنهم خرجوا من أجل وطن أفضل ومستقبل أسعد لأبنائهم ولبلدهم وأمتهم، يحب الإسلاميون انصهار المجتمع بطوائفه واتساق المسيحيين مع المسلمين في مجتمع متجانس تحت قيادة منهج رب العالمين، واحترام هوية وشريعة هذا الدين، مع الاعتراف بخصوصية وحرية وكرامة غير المسلمين وعقائدهم وشعائرهم التعبدية..
بينما تصر الأطراف الأخرى على الاصطفاف الطائفي واتهام الآخرين بدائها! كراهة للإسلام وسعيًا خلف تغيير هوية البلاد والحيلولة دون الإسلام، ليست هناك مشكلة للإسلاميين مع الانتماء للوطن والبلاد وحبهم وخدمتهم، ويريدون خدمة بلادهم بشرف وتفانٍ، بينما من يتغنى ويكثر الغناء بحب البلاد هو الأكثر فسادًا واستبدادًا وتآمرًا!
بل إن العجيب! أن الحقيقة أن تاريخ مصر بعد الإسلام والبطولات المجيدة لها من رد ودحر التتار وقصم الصليبيين، وتطهير المنطقة منهم وغيرها، كل هذا وغيره إنما كانت أثرًا من آثار الإسلام؛ فلم يكن صلاح الدين مصريًا بل كرديًا مسلمًا، رحبت به الأمة المسلمة في مصر وغيرها، قطز لم يكن مصريًا بل كان من بلاد بعيدة لكنه صاح وا إسلاماه فخلدت في فطرة كل مسلم مصري وغير مصري..
لم يكن الإسلام عقيدة منعزلة، بل حتى ولا عاطفة عابرة، بل كان يرسم الواقع وينشيء قُوى ويغير التاريخ، وكانت مصر في القلب من هذا، ذابت في الإسلام وتوطن الإسلام فيها، حتى تغير الحال وضعف الإسلام فاشرأب النفاق ونجم، وجاء الأنجاس من كل بئر عميق يسعون الى الظلام وإطفاء نور الله تعالى، وشطب التاريخ ومحو الفطرة.
إن حقيقة من يرفع شعار الوطن في مقابل الإسلام إنما يريد أمرين:
الأول: التحجج بحب البلاد والتغني بذلك لرفض شريعة رب العالمين تعالى، وجعل المصرية في مقابل الإسلام، وأن مطلب أكثر من 90% من الشعب المصري هو مطلب طائفي! وأنه ليس من حقهم إقامة النظام المتسق مع عقيدتهم والنابع منها.
الثاني: هو الخروج من الانتماء للأمة والسماح بقبول إسرائيل والتآمر معها وتفتيت بلاد المسلمين، وغالب هؤلاء هم إنتاج كامب ديفيد، ومن قبلهم التربية الغربية إبان الاحتلال ثم الحقبة المتأثرة بالشيوعية.
ليس هناك خلاف على حب البلاد أو تنميتها أو النهوض بها، بل مستقبلها في يد الإسلاميين أضمن وأوثق لأن انتماءهم له بعده العقدي وضمير الآخرة، المشكلة في المنهج نفسه الذي يقود البلاد، من يرفض منهج رب العالمين تعالى يجعل تحججه بحب البلاد والخوف عليها هو مبرر رفض الإسلام وهويته وشريعته وأحكامه، وفرائضه الاجتماعية والسياسية كـ(الحرية والعدالة الاجتماعية).
رفعوا العلم وغنوا النشيد ثم يقيمون بهما المذابح، ويحرقون المساجد ويئدون الحرية ويقررون الاستبداد ويزورن الحقائق، ويتهمون الشرفاء ويقدمون الأنجاس، ويسيطر الفاسدون ويقيمون المهازل، كل هذا تحت ظل العلم وقرع النشيد.
وهذا المتغني بحب الوطن مقابل الإسلام هو من أفسد الخلق على المستوى العالمي! إذ له تصنيفه على لائحة الفساد العالمي، وقد سبقهم أخوهم فرعون قائلًا {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26].
باختصار: متفقون على حب البلاد لكن هل بدلًا عن الإسلام، أم جزء منه؟ هذا هو محل الخلاف، وقد اخترنا الإسلام هوية ومنهجًا وانتماءً، وبلادنا ووطننا جزء من الانتماء إليه نرقى به ونرقيه، ولن نتركه لمتغرب علماني فاسد.
- التصنيف: