أعظم أثرًا من السحر
الإيمان والتقوى هو موافقة للأمر الديني، واسترضاء لخالق الوجود ومقدِّر أقداره، ومن كتب كل شيء ومن لا تتم سقوط ورقة إلا بعلمه وإذنه، ولا ينال أحد رزقًا من مال أو علم أو منفعة أو مواهب أو سعادة، أو ولد أو منصب أو وجاهة أو غيرها إلا بما قدّره وأذن فيه، هو الذي يخلق وهو الذي يرزق، وهو الذي يغير مجريات الأمور واتجاه الأحداث..
يحلم الكثير بالعصا السحرية ليصنع بها المعجزات، ويمتلك بها القوة ويحصل بها على آماله وطموحاته ويحقق بها أحلامه، ويغير بها واقعه، حتى أنه أصبح من الأمثلة الدارجة أن يتندر البعض أو يستنكر على غيره أنه لا يملك من السحر ما يغير به الأمور كما يحبها، لكن ما لا يعلمه الغافلون أنهم يملكون ما هو أعظم من السحر بكثير كثير، يملكون ما يلتقون فيه مع أعظم قوة في الوجود، مع من من بيده تقدير الأموروإيجادها من عدم وخلقها وتدبيرها..
فعقب ما ذكر تعالى من أمر السحرة وذكر تعالى خسارتهم {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} [البقرة من الآية:102]، يعني السحر {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة من الآية:102]، يعني حظ أو نصيب، قال بعدها: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:103]، والخير في الآية مطلق في الدارين..
فالإيمان والتقوى هو موافقة للأمر الديني، واسترضاء لخالق الوجود ومقدِّر أقداره، ومن كتب كل شيء ومن لا تتم سقوط ورقة إلا بعلمه وإذنه، ولا ينال أحد رزقًا من مال أو علم أو منفعة أو مواهب أو سعادة، أو ولد أو منصب أو وجاهة أو غيرها إلا بما قدّره وأذن فيه، هو الذي يخلق وهو الذي يرزق، وهو الذي يغير مجريات الأمور واتجاه الأحداث..
الإيمان والتقوى يكون بهما الولوج عليه تعالى والقرب منه، وهو تعالى من منه المبدأ وإليه المنتهى، مبدأ كل أمر، ومنتهى كل أمر، وعنده الكمال المطلق؛ كمال العلم وكمال القدرة وكمال الكرم وكمال الجلال والجمال، وعنده تعالى العلم والرزق، والنصر والخير والهدى والحماية، والمنعة والسعادة والاطمئنان.
إن الإيمان والتقوى هي أنفَس وأغلى ما في الوجود، وبهما يملك الدعاء، ويملك التوكل، وهي قوى تتلقى من القوة الجبارة التي لا حدود لها ولا حواجز عليها إلا مقتضى الحكمة والعدل والخير.
يقول ابن تيمية رحمه الله: "قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، فبين سبحانه أن طلاب السحر يعلمون أن صاحبه ما له في الآخرة من خلاق: أي من نصيب، ولكن يطلبون به الدنيا: من الرئاسة والمال، {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا} لحصل لهم من ثواب الله في الدنيا والآخرة ما هو خير لهم مما يطلبونه، ولهذا تجد الذين يدخلون في السحر ودعوة الكواكب وتسبيحاتها فيخاطبونها يسجدون لها، إنما مطلوب أحدهم المال والرئاسة فيكفر ويشرك بالله؛ لأجل ما يتوهمه من حصول رئاسة ومال ولا يحصل له إلا ما يضره ولا ينفعه كما يدل عليه استقراء أحوال العالم" (مجموع الفتاوى:29/384-385).
أنت تملك كنوزًا عظيمة، أعظم من عصا الساحر، تغير لك الأمور وتصلحها إصلاحًا حقيقيًا وليس توهمًا، وما تمتلكه بالإيمان والتقوى أعظم من تخييل السحرة وكذبهم، وسيرك على منهج الإيمان والتقوى، أشرف وأرقى وأكرم لنفسك من غواية السحرة..
لا ينال أحد ما نال يوسف عليه السلام بالسحر، ولكن لأن الصبر جزء من التقوى أعلن يوسف عليه السلام أنه بهما نال ما نال من شرف الدين والدنيا: {قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90]، وقال تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران من الآية:120]، اعلم يقينًا: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة من الآية:103]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف من الآية:96]، {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران من الآية:179].
- التصنيف: