{وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}

منذ 2015-06-13

الأمم التي لفظت الأخلاق وعم فيها الفساد، وأصبح الظلم والطغيان ديدنها أمم منخورة الكيان ولا استمرار لها، يبتليها الله بالهلاك والدمار، ويتضح هذا جليًا في قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}.

يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:17].

تأملوا: {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} لم يقل جل شأنه: "وأهلها صالحون" فالمصلح شيء والصالح شيء أخر، فلا يفيد كثرة الصالحين بدون إصلاح..!

الأمم التي لفظت الأخلاق وعم فيها الفساد، وأصبح الظلم والطغيان ديدنها أمم منخورة الكيان ولا استمرار لها، يبتليها الله بالهلاك والدمار، ويتضح هذا جليًا في قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16]، أي أن البلد الذي يعم فيه الفسق والفساد ولا تجد (مصلح) يغير ذلك تهلك جميعها الصالح والطالح!

وفي الحديث الذي روته زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَل عليها يومًا فزِعًا يقولُ: «لا إلهَ إلا اللهُ، وَيلٌ للعرَبِ من شرٍّ قدِ اقترَب، فُتِح اليومَ من رَدمِ يَأجوجَ ومَأجوجَ مِثلُ هذه» وحلَّق بإصبَعَيه الإبهامِ والتي تليها، قالتْ زَينَبُ بنتُ جَحشٍ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أفنَهلِك وفينا الصالحونَ؟ قال: «نعمْ، إذا كثُر الخبَثُ»" (صحيح مسلم:2880)، أرئيتم نهلك بالرغم من وجود الصالحين الطائعين! لماذا؟ لأن الفساد هو الطاغي على كل شيء، ولا يجد المصلح الذي يرد الفاسد الظالم عن ظلمه وفساده..

فما قيمة أن نكون لله عابدين طائعين وقد تركنا الظالم المفسد في الأرض دون أن نأخذ على يديه، فمن شروط الصلاح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا أن ننزوي وحدنا بعيدًا نتعبد الله ونقول ما شأننا وهؤلاء، وننسى قول نبينا عليه الصلاة والسلام: «إنَّ النَّاسَ إذا رأَوا الظَّالمَ فلم يأخُذوا علَى يديهِ أوشَكَ أن يعُمَّهُمُ اللَّهُ بعقابِهِ» (صحيح مسند أحمد:36/1)، عقاب الله سيعم الجميع إن لم نسارع في الإصلاح والأخذ على يد الظالم ومنعه والوقوف في وجهه لرد ظلمه وفساده، لن نكون بمنأى عن العقاب لمجرد أننا صالحون، سنُسأل لماذا لم نتحرك ونمنع الظالم ونأخذ على يديه؟ 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى مِنكُم مُنكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ، وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ» (صحيح مسلم:49)، لقد حدد لنا من لا ينطق عن الهوى الكيفية التي يجب اتباعها لتغيير المنكر، المنهج الذي يجب أن يُتبع للإصلاح، فمن استطاع بيده فليقم بدوره، ومن لم يستطع فبلسانه، ثم بقلبه -على الأقل- والذي هو أضعف الإيمان، عسى الله أن ينجينا من عذابه وعقابه بضعفنا هذا.

يقول الشيخ السعدي: "{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} أي: وما كان الله ليهلك القرى بظلم منه لهم والحال أنهم مصلحون، أي: مقيمون على الصلاح، مستمرون عليه، لما كان الله ليهلكهم إلا إذا ظلموا، وقامت عليهم حجة الله..".

ويقول القرطبي في تفسير الآية: "{وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق؛ أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان، وقوم لوط باللواط، ودل هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشرك، وإن كان عذاب الشرك في الآخرة أصعب...".

جعلنا الله وإياكم من المصلحين الصالحين، واعلموا أن الله ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، ويهلك الظالمة الفاسدة ولو كانت موحدة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أم سارة

كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام

  • 29
  • 2
  • 70,659

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً