رمضانك ربيعك - (7) التقوى مفتاح الفوز
لو الإنسان تنبه لقلبه، لصلح القلب وحفظ الحسنات بعد أن يعملها، يأتي الطاعة ويحافظ عليها إلى الموت، لماذا؟ لأن قلبه حي، فمن حياة القلب أنه كلما كاد يقع في الخطأ ارتدع ورجع، وكلما وجد الخير اندفع وأقبل على الله تعالى..
الذي لا بد أن نعلمه أن المراد ليس جمع الحسنات وإنما نتائج الأعمال على القلوب، ولذلك يقول العلماء إن أعمال القلوب أهم من أعمال الجوارح كـ(الخشية، والخوف، والانكسار بين يدي الله، والتوبة، والإخلاص، وتعظيم الله ومحبته)، هذه كلها مقدمة على صلاة التراويح 30 ركعة، والعمرة في رمضان، والجلوس إلى الإشراق، هذه أعمال مهمة لكنها وسائل وليست المقصودة لذاتها، وإنما المقصود أن يصل بها قلب فاعلها إلى الله تعالى.
ولذلك لما سئل ابن تيمية: "أي الأعمال أفضل؟" ليس مشرّعًا كالنبي حتى يحدد أي الأعمال أفضل، لكنه أجاب بإجابة نموذجية لا بد من التنبه إليها: "أفضل الأعمال الذي تجد فيه قلبك"، هذا أفضل الأعمال في حقك أنت، فانظر بماذا يتأثر قلبك من الأعمال فاجتهد في هذا العمل لإصلاح قلبك، ليس العبرة بكثرة الأعمال لكن ما العمل الذي ينصلح به قلبك؟
فلو كان لإنسان كثرة من أعمال (صلاة، وصيام، وحج، وعمرة، وإمام مسجد، وخطيب جمعة) ودائمًا يستفتى ويجيب وينشر العلم والخير بين الناس، كل هذه تعتبر وسائل أعمال فقط، لكن نأتي إلى القلب، هذه الأعمال لو قام بها صحابي لكان بلغ مرتبة الصديقية، لأنهم كانوا يعلمون بحضور قلب، لكن نحن على كثرة أعمالنا! فتجد الواحد منا تبلغ محاضرته أهل أمريكا وبريطانيا وهو في السعودية، ومع ذلك ما تأثر قلبه هو.. فما الفائدة؟
لذلك نبهنا المصطفى عليه الصلاة والسلام: «الصحابة: "يا رسولَ اللَّهِ صِفهم لَنا، جلِّهم لَنا أن لا نَكونَ منهم ونَحنُ لا نعلمُ، قالَ: « »" (السلسلة الصحيحة:505).
». حسنات يعني صلوا وصاموا ودعوا وتصدقوا، وأموا في المساجد وخطبوا في الجمع، قالَكيف انتهكوها؟! يعني ما عندهم تربية قلب، لا خوف من الله ولا قلق من عقابه، ما كان يشتغل على قلبه، بل على جوارحه، فإذا سئل قال: "الحمد لله تونا عدنا من العمرة، وعمرة في رمضان كحجة مع الرسول"، طيب ماذا غير هذه العمرة فيك؟ علبة السجائر مازالت في جيبك! القلب باقِ ما تغير..!
غير قلبك! أنقذ نفسك! فالعمل لو كثر وكثر وكثر غيبة واحد تذهب بعملك كله! تغتاب شخصًا بكلمة، فيأخذ من حسناتك ويطرح عليك من سيئاته! وآخر يقول: اليوم فطّرت (10 صائمين)، الله لا يحرمنا الأجر! طيب هؤلاء العشرة يعني كم حسنة؟ 200 حسنة؟ طيب هذه الـ(200) ممكن تطير بكلمة واحدة لو قلت لزوجتك: ما شاء الله، طلعوا أكولين!
لذلك لو الإنسان تنبه لقلبه، لصلح القلب وحفظ الحسنات بعد أن يعملها، يأتي الطاعة ويحافظ عليها إلى الموت، لماذا؟ لأن قلبه حي، فمن حياة القلب أنه كلما كاد يقع في الخطأ ارتدع ورجع، وكلما وجد الخير اندفع وأقبل على الله تعالى.
أذكر نفسي وأذكركم، ألا ننشغل بقضية (جمع) الحسنات: اليوم صلينا كذا وطولنا وقصرنا، بل نسأل أنفسنا: وصلنا ولا لا؟ وأين وصلنا بهذا؟ الذي حقًا استفاد من القيام مع الإمام ودعائه، هو الذي لما خرج من باب المسجد على طول عزم على التوبة وترك معصية والتخفيف من المباحات والإقبال على الطاعات.
لنحذر يا إخواني أن تغرنا حلاوة الطاعات عن حقائق الطاعات، فالله بكرمه يذيقنا الحلاوة وإن لم نسأله، فنصلي وتسقط الدمعات وينشرح الصدر، فتستبشر وتفرح، نقول له هذه حلاوة، أما حقيقتها أن تقلع عن معصية، تعزم على التوبة، تعتكف، تجالس الصالحين.. تتخذ قرارات حاسمة تغير بها حياتك وأجوائك لتوافق هذه الحلاوة.
فلو واحد أخذ دورة إنجليزي كان الآن يتكلم إنجليزي، ولو أخذ دورة حاسب آلي كان زمانه الآن لديه حاسب ويعمل عليه.. طيب الآن 30 يوم مع الله يصوّمنا ويقوّمنا لنحصل على التقوى، لماذا للآن لم تحضرنا التقوى؟ يمكن في مشكلة؟!
نضبط الصباح ونخرب بالليل! أو يمكن الصباح كله نوم، أو أخذنا القضية على أنها أعمال لا علاقة لها بمقاصد وتربية ونتائج: "صمنا، قمنا، صمنا، قمنا، صمنا، قمنا"! لكن من منا يتفكر: لماذا الله صوّمني؟ لماذا حرّم الطعام والشراب من الفجر للمغرب؟ لماذا قوّمني؟ في تربية مقصودة: لنترك الأغاني والخمور والمسلسلات والأفلام والعقوق والغيبة والنميمة.
فإذا كان الطعام والشراب أصلاً ليسا حرام لكن حرمهما الله في رمضان في مواقيت، لماذا؟
حتى نتعلم أنه إذا أمكننا الله أن نترك الماء والخبز الحلال والمحتاج إليهما ابتغاء وجه، فمن باب أولى يمكننا ترك الباطل واللغو وصحبة السوء وتغيير الدش والتلفاز، والتخفف من الإغراق في الملذات والمباحات التي تفضي للوقوع في المنكرات شيئًا فشيئًا.
(التقوى) المحصّلة النهائية والنتيجة المترتبة على سلوك طريق الصيام، الطريق الذي لا يعني إلا التحكم في الذات، وإمكانية أن يقول الفرد لنفسه: "لا"، وهذا الصيام الذي هو علة تحقيق التقوى، هو مدخل مهم لصناعة الذات، ويبدو ذلك عن طريق التحكم فيها، وتوجيهها الوجهة التي يريدها الإنسان التقيّ.
فحين يكسر الإنسان شهوته ويقمع هواه ولا يرضخ لرغبات نفسه، وحين يمنع الإنسان نفسه من ضرورات تعينه على البقاء، كالطعام والشراب، وحين يرتفع فوق ملذات جسدية أباحها الله له، حينها يمكن لذلك الإنسان أن يصنع ذاته ويُشكِّلها كيفما يُريد، ووقت أن يكون محفوفًا بالشهوات ومحفوفًا بالمكاره.
هدى عبد الرحمن النمر
كاتبة وأديبة ومترجمة ومحاضِرة ، في مجالات اللغة والأدب والفكر والتعليم مدونة الكاتبة : https://hmisk.wordpress.com/
- التصنيف: