دواء القلب الكسير
أشد أنواع المعاناة هي معاناة المرء في البعد عن ربه سبحانه.
أشد أنواع المعاناة هي معاناة المرء في البعد عن ربه سبحانه، وأقسى أحوال الحياة، هي الحياة بعيدًا عن نور الاستقامة الإيمانية، وأبأس اللحظات هي لحظات الذنب والمعصية، تلكم هي الحكمة الحقة التي يخرج بها كل إنسان بينما يفارق دنياه مقبلًا على آخرته. إنها لحياة بئيسة تلك التي تمر على أحدنا أيام معصيته، يتمنى الصالحون أن لو محيت عن سجلاتهم ونسيت من ذاكرتهم وذاكرة الأيام!
لكأن الكون كله يصير كئيبًا بينما المسلم يعصي ربه، و رحابة الأفق تصير مسارًا ضيقًا لا نهاية له، والشهيق يدخل الصدر من ثقب إبرة! { ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125].
تكثر خفقات القلب وترتعد الجوارح، وتتكون في النفس حالة غريبة من الفصام بين الداخل والخارج، فالقلب يرفض الذنب، ولكنه لا يقوى على قيادة الجوارح بعيدًا عنه، والنفس ترغب في الجموح ولا تجد من يملك زمامها أو يحجم ميلها. عندها يحصل ذاك الفصام، وتظهر سلوكيات المعصية برغم كره العبد لها وتمنيه عدم حصولها، ذلك لأن قلبه الضعيف غير مؤهل لقياد تلك الجوارح الرعناء فأي خيبة تلك التي تنتظر الفتى بينما تسيره أقدامه نحو ما يعلم ضرره ويتبين أذاه ويتأكد من خطره؟!
إنها لحظات فحسب يقضيها ذلك المفتون في متعة أو شهوة أو انحراف، تتبعها الحقيقة المقدرة، وتتلوها الوقائع المؤلمة، فيبدو الأسى، ويخيم الحزن، ويبدأ الانهيار.
أين ذاك العقل النابة بينما المرء منساق في متاهة سبيلها غضب الرب العظيم؟ أفلا يدله على قدر جرمه وفداحة خطيئته بينما يجترىء على عصيان الذي خلقه فسواه ورزقه فكفاه، وأنعم عليه كل نعمه، ووقاه شر الأذى، وعلمه الهدى؟!
ياله من عقل خسيس ، إذ يدل صاحبه على منافع الدنيا وينسى دلالته على منافع الآخرة، وينبهه إلى إرضاء ذاته والناس، ويغفله عن إرضاء ربه والعالمين..
أفلا يستشعر كم من الراحة تجدها جوارحه وهو في فيض الإيمان الرحيب؟ وكم من السكينة تطمئن إليها نفسه وهو في سبيل الطاعة وخطى العبودية؟ وكم من التوفيق يحيط حركاته وسكناته وأفكاره وخطواته بينما هو يقترب من إرضاء ربه الأعلى؟
إن الإنابة تنادي أصحاب القلوب النازفة، والنفوس الجريحة من آثار الذنوب، تناديهم لحياة مطمئنة رحيبة، وتوبة تمحو الذكرى المؤلمة، وطاعة تذهب السيئات السابقة، وندم يحرق آثار الغفلة ويسد متاهة الانحراف.
قال سبحانه: { وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر:54-55].
فأقبل أيها القلب الكسير على ربك، وارجع إلى رحاب الرحمة، واستجب لنداء الإيمان..
ويالها من فرحة تلك التي تنتظرك عندئذ ويا لها من سعادة تلك التي ستضمك إليها وتحتويك، ويا لها من حماية تلك التي ستحيطك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وشمالك ومن فوقك، تمنعك من الشيطان، وتنير بصيرتك نحو خيرك في الدارين.
خالد رُوشه
9/8/1436 هـ
- التصنيف:
- المصدر: