قلب لوزة الدرزية.. والاصطياد في المياه العكرة للثورة الشامية
فجأة تحولت قرية قلب لوزة الدرزية بإدلب إلى قبلة لكل محلل وخبير وباحث وسياسي.
ما دام القتل والتدمير والخراب والسحل والذبح في مناطق أهل السنة بالشام، فهذا لا يحرك شعرة في جسد المجتمع الدولي الميت أصلًا، أشاهد الآن مشهدًا مخيفًا لطائفي أسدي وهو يذبح شابًا سنيًا بمدية مثلومة، تارة يطعنه برقبته وأخرى بعينه أو بوجهه، المشهد لا يمكن أن يتصوره بشره، ماذا لو كان هذا المشهد من فعل الطرف الآخر لقامت الدنيا ولم تقعد.
وبدأ الحديث عن المواطنة والتعايش، لكن في زمن البراميل المتفجرة والألغام البحرية الجديدة على الشعب السوري حيث كل لغم وزنه طن وربع الطن فهذا من لوازم التعايش السلمي للطائفيين، حيث يُلقى باللغم البحري ليقتل ما قدر له أن يقتل من الأغلبية السنية بالطبع..
فجأة تحولت قرية قلب لوزة الدرزية بإدلب إلى قبلة لكل محلل وخبير وباحث وسياسي، وتدفق كل من هب ولم يدب على التحليل بشأن المخاطر التي تتهدد الأقلية الدرزية في سورية، وبالطبع لا يُزايد علينا أحد فنحن ضد كل اضطهاد، و أخلاق ثورة الشام تأبى عليها أن تضطهد أي مظلوم، ولكن لماذا التواطؤ الرهيب على تدمير كل متر من مناطق أهل السنة في الشام والانتفاض وكأن الأفاعي قد مست العالم كله حين تشعر الأقليات بأقل خطر، أو حين تقترب من مناطقها كما حصل أخيرًا في مطار الثعلة وكأن هذه المناطق ليست سورية..
حضرت مؤتمرًا أخيرًا وكنت أتحدث لمعارض سوري أقلوي وحين تحدثنا عن خطة جيش الجيش الفتح المحتملة وإمكانية أن يتوجه للساحل انتفض كالملسوع وهو يقول لي لا أبدًا هذا خطير ستحصل مذابح، حاولت تهدئته وقلت له يعني أنت طائفي، قال كيف؟!: قلت له أهل السنة يُقتلون في مناطقهم لأربع سنوات، أما إن انتقلت المعركة إلى مناطق العلويين وهو أمر سيختصر المعركة ويُرحل الطاغية وعصابته، حينها فقط برأيكم تحصل مذابح أما ما يمارسه النظام وعصابته لسنوات في مناطق السنة فهذا رقص وغناء...
بالعودة إلى قرية قلب لوزة بإدلب فإن تكبير القضية من مصلحة العصابة الطائفية في سورية وعملائها أو أسيادها من حزب الله، ما يهمني هنا الوقوف على الخطأ الذي وقعت فيه جبهة النصرة وعليها التنبه إليه كي لا تقع فيه مجددًا فالشاب التونسي الأمير على هذه القرية لا يعرف سورية ولا يعرف الدروز والتعامل معهم وبالتالي ليس من الانصاف وليس من العدل أن يُؤمر غير سوري، ومن يريد أن يعطينا دروسًا في الأممية والأخوة الإسلامية ونحوها نذكرهم بأن رسل الرسول عليه السلام كانوا ممن يعرفون الأرض والشعوب وتنسجم طبيعتهم معها. فقد أرسل النبي عليه السلام الصحابي الفقيه معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى تعز كونها منطقة علم وثقافة، وأرسل أبا موسى الأشعري إلى تهامة حيث اللين والرقة، وأرسل علي بن أبي طالب المقاتل إلى جبال همدان، وثمة أمثلة غير قابلة للحصر على ذلك..
بيان جبهة النصرة الأخير من التأسف على ما جرى ومحاكمة المتسببين يجب أن يمتد إلى الأسلوب والطريقة نفسها في التعاطي مع المدنيين وهو عدم فرض أمير أو مسؤول لإدارة شؤونهم من غير السوريين فهذا تكليف لهم ما لا يقدرون، وتكليف على المهاجرين ما لا يستطيعون إدارته أيضًا..
عاصرنا الجهاد الأفغاني لم نسمع أن تأمّر غير عربي على أفغاني، ولم نسمع أن عمل العرب حتى الشيخ الشهيد عبد الله عزام رحمه الله للقضاء بين الأفغان إلا إذا طلبوه لحادثة معينة ليعود إلى خدمتهم، ومن هنا سمى مكتبه بمكتب الخدمات، لكن الآن نرى الشباب العربي الذي نفر لنصرة الشام يعين بعضهم قضاة وأمراء وقادة وهو ما فيه من المفسدة أكثر مما فيه من المصلحة..
السياسة جلب المصالح ودرء المفاسد، ولكن بهذه القرارات غير الحكيمة يكون العكس تمامًا والقصص أكثر من أن تحصى وتعد، ولا بد من تدارك الأمر والتماشي مع طبيعة الشعوب وحاضنة المقاومة و الجهاد..
د. أحمد موفق زيدان
25/8/1436 هـ
- التصنيف:
- المصدر: