خطوات في التربية - (29) اليقين في البعث واليوم الآخر (1)
هذا الكتاب _القرآن_ يملك الدليل والمدلول عليه؛ ففيه الشفاء للجميع: من الملحد إلى الوثني إلى أهل الكتاب إلى المنافق، إلى الشاك أو الممتري، إلى صاحب مرض القلب من الشك والريبة، إلى الشهوة والاضطراب إلى خالجة الصدور ووساوس النفوس، فجاء الشرع ببيان أن البعث أمر حتمي، والقول بخلافه جنون وخرف.
تكفل كتاب الله تعالى ببيان البعث والأدلة عليه، وهي أدلة عقلية شرعية..
عقلية: لأن مساقها مساق الاستدلال العقلي.
وشرعية: لأنها وردت في الشرع وجاء بها الكتاب.
والسبب في إيراد الأدلة مباشرة من القرآن هو لفت النظر إلى أن القرآن ليس خطابًا لمن يقرّ به فقط، بل هو خطاب لمن يجحده ويطلب دليل صحته؛ فهذا الكتاب يملك الدليل والمدلول عليه؛ ففيه الشفاء للجميع: من الملحد إلى الوثني إلى أهل الكتاب إلى المنافق، إلى الشاك أو الممتري، إلى صاحب مرض القلب من الشك والريبة، إلى الشهوة والاضطراب إلى خالجة الصدور ووساوس النفوس، فجاء الشرع ببيان أن البعث أمر حتمي، والقول بخلافه جنون وخرف.
ـ الدليل الأول: الاستدلال بخلق الإنسان أول مرة على إمكان إعادته..
فلماذا يشك في الإعادة؟ فليشك إذًا في وجوده! فإذا كان وجوده مسبوقًا بعدم، فعلى البداهة فالوجود المسبوق بوجود سابق أَوْلى وأيسر وأهون، هذا في عرفنا لكن المقدورات لله تعالى نسبتها واحدة، ولهذا عندما يورد الله تعالى هذا السؤال من منكري البعث تأتي الإجابة هكذا بكل بدهية ووضوح: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ . وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، فجاءت الإجابة: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:77-79].
{سَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا}، فجاءت الإجابة هكذا: {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء:51]، {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: 29]، {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم:27]، والنسبة لله تعالى واحدة في شأن بدائة الخلق أو إعادته، ولهذا قال المفسرون في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} قالوا: "فيعرفكم وفي قياسكم".
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت:20]، فهما نشأتان: "فلما قررهم في الإبداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء فإذا لم يعجزه الإبداء وجب أن لا يعجزه الإعادة فكأنه قال ثم ذلك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشىء النشأة الآخرة فللتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ" (تفسير النسفي، جـ 3، ص 255).
ويقول البغوي: "{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}، فانظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} أي: ثم الله الذي خلقها ينشئها نشأة ثانية بعد الموت فكما لم يتعذر عليه إحداثها مبدءًا لا يتعذر عليه إنشاؤها معيدًا" (تفسير البغوي، جـ 1، ص 237).
ـ الدليل الثاني: الاستدلال بإنزال الله الماء من السماء وإحياء الأرض به بالنبات، وأن هذه عملية إحياء من الموت وعملية إعادة للحياة مستمرة دائمًا، ومماثلة لما وعدتم به من البعث، وهي أمام أعينكم كل لحظة فلم لا تعتبرون؟! ولم إذًا تتعجبون من البعث؟!
ولهذا يتكرر عرض إحياء الأرض بالنبات بالماء النازل من السماء في كتاب الله تعالى ثم تعقب هكذا: {كَذَلِكَ النُّشُورُ}، {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}، {لعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
وانظر إلى الآيات: {واللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، ثم قال بعدها: {كذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر:9]، {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ . رِزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتا}، ثم قال بعدها: {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9-11]، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}، ثم قال بعدها: {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف من الآية:57].
{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون . وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ . فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} -ثم قال بعدها- {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم:48-50].
يتبع إن شاء الله تعالى..
- التصنيف: