(31) اليقين في البعث واليوم الآخر (3)
مدحت القصراوي
طالما هناك من أنعم وطالب بشكر هذه النعم، فلا بد من أنه يملك الجزاء على الوفاء وعلى عدمه، فعلى من يلحظ وجه النعمة أن يلحظ جانب الواجب المترتب عليها، وهذا الواجب لا تستقيم المطالبة به إلا بيوم يحاسب، كلٌ على قيامه بالشكر أو عدم ذلك..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
الدليل الخامس: تعداد ما خلقه الله تعالى في هذه الحياة على أنه نِعَم، وأن هذه النعم تستوجب الشكر، ثم هناك من يشكر ومن لا يشكر، فكيف يستويان -الشاكر والجاحد-؟
فلا بد أن يكون للمُنعِم جزاؤه لكل منهما.
وطالما هناك من أنعم وطالب بشكر هذه النعم، فلا بد من أنه يملك الجزاء على الوفاء وعلى عدمه، فعلى من يلحظ وجه النعمة أن يلحظ جانب الواجب المترتب عليها، وهذا الواجب لا تستقيم المطالبة به إلا بيوم يحاسب، كلٌ على قيامه بالشكر أو عدم ذلك..
يقول البيضاوي: "{وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [يس من الآية:15]، والتمسوا من نعم الله، {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [يس من الآية:15]، المرجع فيسألكم من شكر ما أنعم عليكم" (تفسير البيضاوي،ج 1،ص:364)،
وقال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8]، يقول البيضاوي: "الذي ألهاكم، والخطاب مخصوص بكل من ألهاه دنياه عن دينه و{النَّعِيمِ} بما يشغله للقرينة والنصوص الكثيرة كقوله: {مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف من الآية:32]، {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ} [البقرة من الآية:172]، وقيل: يعمّان يعني المؤمن والكافر إذ كلٌ يُسأل عن شكره" (تفسير البيضاوي، ج 1، ص 524).
الدليل السادس: الاستدلال بعموم القدرة المستدَل عليه من النظر في خلقه تعالى وقدرته الباهرة في خلقه، فيذكر طلاقة قدرته التي لا تتوقف على شيء إلا مجرد إرادته تعالى، ولهذا يشير إلى هذا مع الطرق الأخرى، وهذا واضح في آخر سورة يس: {أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ . وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:77-78].
فرد عليه:
1- بدليل بداية الخلق: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79].
2- ثم أعقبه بإيراد خلقه تعالى ما هو أولى وأعظم: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:81].
3- ثم نص على عموم قدرته: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82].
وكذلك في سورة النحل: فقد حكى الله تعالى عن المشركين أنهم أقسموا أن لا بعث فقال تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ} [النحل من الآية:38].
وكانت الإجابة:
أولاً: بإثبات الحقيقة ولو أنكروها وأنها من موعود الله تعالى الذي لا محالة من تحققه ولا التفات إلى أقوالهم التي تلقى على عواهنها بلا دليل، بل ظنٌ وتخرصٌ ومكابرةٌ، فقال تعالى: {بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل من الآية: 38].
ثانيًا: الاستدلال على البعث بدليل الحكمة التي ذكر تعالى بعض أوجهها وبعض أغراضها فقال تعالى: {ليُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} [النحل:39]، فنص تعالى على بيان الحق في اختلافهم سواء في شأن البعث أو التوحيد والشرك، أو النبوة والرسالة أو افترائهم في التشريع بل في جميع ما اختلفوا فيه.
ثالثًا: استدل تعالى بعموم القدرة فقال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [النحل:40].
الدليل السابع: الاستدلال بعموم العلم المستدَل عليه أيضًا بهذا الخلق.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ . يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ:1-2].
ثم أورد تعالى إنكارهم للبعث ورد عليهم بعموم علمه تعالى، ودليله ما يشاهدونه من الخلق واستقامته، فلو كان في علمه تعالى نقص ما -سبحانه- لما استقامت السماوات والأرض، فلا وجه لما يستبعدونه من العلم باختلاط التراب المتحلل من الأجساد بتراب الأرض: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ:3].
يتبع إن شاء الله تعالى..