بركة ليلة القدر وأحاديث في فضل العشر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحـيم، وتغلُّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تكفل بحفظ القرآن، وصانه عن التحريف والخطأ والنسيان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من صلى وصام وقرأ القرآن، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
وبعد؛ فقد أنزل الله عز وجل القرآن الكريم في ليلة مباركة هي خير الليالي، ليلة اختصَّها الله عز وجل من بين الليالي، ليلةٌ العبادة فيها هي خير من عبادة ألف شهر، وهي ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريبًا، ألا وهي ليلة القدر. قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:1-5] وقال تعالى: {حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان:1-5].
فإن ليلةَ القدرِ ليلةٌ كثيرةُ الخيرِ، شريفةُ القدرِ، عميمةُ الفضلِ، متنوِّعةُ البركات، ولعظمها أنزل فيها القرآن العظيم؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »[1].
تتنزَّل الملائكة في هذه الليلة، والروح -أي: جبريل- ينزلون مع كثرة الرحمة وكثرة البركات التي تنزل في تلك الليلة، وليلة القدر كلها سلام وخير وبركة، ليس فيها شرٌّ حتى يَطلع فجر اليوم الذي يليها[2]، وفي قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] يقول ابن كثير: "أي في ليلة القدر يفصَّل من اللوح المحفوظ إلى الكتَبة أمر السنَة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرهاط؛ روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك الضحاك وغير واحد من السلف، وقوله جل وعلا: {حَكِيمٍ } أي: مُحكم لا يبدَّل ولا يغيَّر.
وعليه فقد يسَّر الله جمع هذه الفوائد والفرائد والنفحات والبركات والمُتفرِّقات من بعض الكتب والمؤلفات والمواعظ والكلمات، لتكون رسالةً قيمةً في هذه الوريقات، والموسومة بـ(ليلة القدر نفحات وبركات) هدية للصائمين والصائمات أهديها إلى كل مسلم ومسلمة راجيًا من الله أن يعم نفعها الجميع، وأن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، إنه هو الغفور الرحيم.
أحاديث في فضل العشر الأواخر:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »[3].
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدَّ مئزره[4] وأحيا ليله، وأيقظ أهله"[5].
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَجتهِد في العشر الأواخر ما لا يَجتهد في غيره"[6].
4- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قُبَّة تركية على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده، فنحاها في ناحية القبَّة، ثم أطلع رأسه فكلَّم الناس، فدنوا منه فقال: «
»، فاعتكف الناس معه، قال: « »، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء فوكف المسجد[7] فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينُه وروثة أنفه[8] فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر"[9].5- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخِر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
»[10].6- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
»[11].7- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: «
»[12].
________________
[1]- أخرجه النسائي في الصيام، باب: فضل شهر رمضان؛ برقم: [2105]، وأحمد؛ برقم: [2/ 230]، وعبد الرزاق [7383]، وله شاهد من حديث أنس عند ابن ماجه في الصيام، باب: ما جاء في فضل شهر رمضان [1644]، وحسَّنه المنذري في الترغيب؛ برقم: [2/99]، وقال الألباني في صحيح الترغيب؛ برقم: [999]: "صحيح لغيره".
[2]- انظر: تفسير ابن كثير عن كلامه على سورة القدر.
[3]- أخرجه البخاري في الصوم؛ برقم: [1901]، ومسلم في صلاة المسافرين؛ برقم: [760].
[4]- أي: اعتزل نساءه، وقال: المراد الجد والاجتهاد في العبادة.
[5]- أخرجه البخاري في الاعتكاف؛ برقم: [2024]، ومسلم في الاعتكاف؛ برقم: [1174].
[6]- أخرجه مسلم في الاعتكاف؛ برقم: [1175].
[7]- أي: سال من سقفه المطر.
[8]- أي: طرفه، ويقال لها أيضًا: أرنبة.
[9]- أخرجه البخاري في الاعتكاف؛ برقم: [2027]، ومسلم في الاعتكاف؛ برقم: [1167].
[10]- أخرجه البخاري في صلاة التراويح؛ برقم: [2015]، ومسلم في الصيام؛ برقم: [1165].
[11]- أخرجه البخاري في صلاة التراويح؛ برقم: [2017]، ومسلم في الصيام؛ برقم: [1169].
[12]- أخرجه أحمد؛ برقم: [6/182]، والترمذي في الدعوات؛ برقم: [3580]، والنسائي في الكبرى؛ برقم: [3130]، وابن ماجه في الدعاء؛ برقم: [3850]، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم؛ برقم: [1/530]، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي؛ برقم: [2789].
د. محمد أحمد عبد الغني
- التصنيف:
- المصدر: