رمضان فرصة عظيمة للتغيير

منذ 2015-07-10

السؤال الذي يجب أن يطرحه الإنسان على نفسه هو: هل هو راضٍ عن الحالة التي يعيشها؟ وهل يعتبر نفسه ضمن الوضع الأفضل والأحسن؟ أم أنه يعاني نقاط ضعف وثغرات؟ وهل أن ما يحمله من أفكار وصفات، وما يمارسه من سلوك، شيء مفروض عليه لا يمكن تغييره أو تجاوزه؟ أم أنه إنسان خلقه اللَّه حراً ذا إرادة واختيار؟

لو تأمل كل إنسان في ذاته، واستقرأ حياته وأوضاعه، لوجد أن له أفكاراً يتبناها، وصفات نفسية وشخصية يحملها، وسلوكاً معيناً يمارسه، وأنه يعيش ضمن وضع وقالب يؤطر حياته الشخصية والاجتماعية.

والسؤال الذي يجب أن يطرحه الإنسان على نفسه هو: هل هو راضٍ عن الحالة التي يعيشها؟ وهل يعتبر نفسه ضمن الوضع الأفضل والأحسن؟ أم أنه يعاني نقاط ضعف وثغرات؟ وهل أن ما يحمله من أفكار وصفات، وما يمارسه من سلوك، شيء مفروض عليه لا يمكن تغييره أو تجاوزه؟ أم أنه إنسان خلقه اللَّه حراً ذا إرادة واختيار؟

إن هذه التساؤلات كامنة في نفس الإنسان، وتبحث عن فرصة للمكاشفة والتأمل، يتيحها الإنسان لنفسه، لينفتح على ذاته، وليسبر غورها، ويلامس خباياها وأعماقها .. ورغم حاجة الإنسان إلى هذه المكاشفة والمراجعة، إلاّ أن أكثر الناس لا يقفون مع ذاتهم وقفة تأمل وانفتاح: لأسباب أهمها ما يلي:

(أولاً): الغرق في المواقف الحياتية العملية، وهي كثيرة، ما بين ما له قيمة وأهمية، وما بين ما هو تافه وثانوي.
(ثانيًا): وهو الأهم، أن وقفة الإنسان مع ذاته، تتطلب منه اتخاذ قرارات تغيرية بشأن نفسه، وهذا ما يتهرب منه الكثيرون، كما يتهرب البعض من إجراء فحوصات طبية لجسده، خوفاً من اكتشاف أمراض تثير مكامن الحزن في نفسه، وتلزمه الامتناع عن بعض المرغوبات، أو أخذ علاج معين.

وفي تعاليم الإسلام دعوة مكثفة للانفتاح على الذات ومحاسبتها، بعيداً عن الاستغراق في الاهتمامات المادية، والانشغالات الحياتية التي لا تنتهي، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا". وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما أحق الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل، يحاسب فيها نفسه، فينظر فيما اكتسب لها وعليها في ليلها ونهارها"، فلحظات التأمل ومكاشفة الذات، تتيح للإنسان فرصة التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه، وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل، كما يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ثمرة المحاسبة إصلاح النفس".

وحاجة الإنسان إلى التأمل والمراجعة لها أهمية قصوى في أبعاد ثلاثة:
البعد الأول: (المراجعة الفكرية) وهي أن يراجع المرء أفكاره وقناعاته، ويتساءل عن مقدار الحق والصواب فيها، ولو أن الناس جميعاً راجعوا أفكارهم وانتماءاتهم، لربما استطاعوا أن يغيروا الأخطاء والانحرافات فيها، غير أن لسان حال الكثير من الناس {إِنَّا وَجَدنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُقتَدُونَ} [الزخرف:23]، وليكن الإنسان حراً مع نفسه، قوياً في ذاته إذا اكتشف أنه على خطأ ما، فلا يتهيب أو يتردد من التغيير والتصحيح.

البعد الثاني: (المراجعة النفسية) وهي أن يراجع المرء الصفات النفسية التي تنطوي عليها شخصيته، فهل هو جبان أم شجاع؟ جريء أم متردد؟ حازم أم لين؟ صادق أم كاذب؟ صريح أم ملتو؟ كسول أم نشيط؟ إلخ.. 

وليطرح على نفسه عدداً من الأسئلة التي تكشف عن هذا البعد، مثل: ماذا سأفعل لو قصدني فقير في بيتي؟ ماذا سأفعل لو عبث الأطفال بأثاث المنزل؟ ماذا سأفعل لو حدث أمامي حادث سير؟ وكيف سيكون رد فعلي لو أسيء إلي في مكان عام؟ وكيف أقرر لو تعارضت مصلحتي الشخصية مع المبدأ أو المصلحة العامة؟ وتأتي أهمية هذه المراجعة في أن الإنسان ينبغي أن يقرر بعدها أن يصلح كل خلل نفسي عنده، وأن يعمل على تطوير نفسه، وتقديمها خطوات إلى الأمام.

البعد الثالث: (المراجعة الاجتماعية والسلوكية)، وهي أن يراجع المرء سلوكه وتصرفاته مع الآخرين، بدءاً من زوجته وأطفاله، وانتهاءً بزملائه وجيرانه، مروراً بأرحامه وأصدقائه، وسائر الناس ممن يتعامل معهم أو يرتبط بهم.

ولا يوجد شهر آخر يماثل شهر رمضان في أمر المراجعة الشخصية، فهو خير شهر يقف فيه الإنسان مع نفسه متدبراً متأملاً، إذ حينما يمتنع الإنسان في هذا الشهر الكريم عن الطعام والشراب، وبقية الشهوات التي يقوم بها يومياً، فإنه يكون قد تخلص من تلك المواقف التي تعوقه عن مراجعة حساباته مع نفسه، مما يعطيه فرصة للانتباه نحو ذاته ونفسه، وتأتي تلك الأجواء الروحية التي تحث عليها التعاليم الإسلامية، لتحسّن من فرص الاستفادة من هذا الشهر الكريم.

فصلاة الليل مثلاً فرصة حقيقية للخلوة مع اللَّه، وقراءة القرآن الكريم التي ورد الحث عليها في هذا الشهر المبارك، إنما تخدم توجه الإنسان للانفتاح على ذاته، ومكاشفتها وتلمس ثغراتها وأخطائها، لكن ذلك مشروط بالتدبر في تلاوة القرآن، والاهتمام بفهم معانيه، والنظر في مدى الالتزام بأوامر القرآن ونواهيه. فإذا قرأ الإنسان آية من الذكر الحكيم، فينبغي أن يقف متسائلاً عن موقعه مما تقوله تلك الآية، ليفسح لها المجال للتأثير في قلبه، وللتغيير في سلوكه، وبذلك يعالج المرء أمراض نفسه وثغرات شخصيته، فالقرآن: {شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس من الآية:57].

كما أن كثرة الأدعية والتضرعات في هذا الشهر الكريم تمثل كنوزا تربوية روحية، تبعث في الإنسان روح الجرأة على مصارحة ذاته، ومكاشفة نفسه، وتشحذ همته وإرادته للتغيير والتطوير والتوبة عن الذنوب والأخطاء، كما تؤكد في نفسه عظمة الخالق وخطورة المصير، وتجعله أمام حقائق وجوده وواقعه دون حجاب. 

وهذا الشهر الكريم هو خير مناسبة للارتقاء بالأداء الاجتماعي للمؤمن، ولتصفية كل الخلافات الاجتماعية، والعقد الشخصية بين الإنسان والآخرين.

من جانب آخر فقد يسيطر على الإنسان بعض العادات والسلوكيات الخاطئة، ومهما كان عمقها في نفس الإنسان، والتصاقه بها، فإن الإرادة أقوى من العادة، وشهر رمضان أفضل فرصة لنفض وترك العادات السيئة الخاطئة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 1
  • 0
  • 2,012

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً