ممارسات الطاقة في ميزان العلم النظري
إننا نؤكد دائماً ضرورة التعامل مع الفكرة الجديدة دونما تشنج، لا نرفض جديداً أو نتقبله دون وجود منظومة معرفية نميز من خلالها الجديد النافع من الخرافة. كما نؤكد حرمة ليّ أعناق الأحاديث والآيات لأسلمة أفكار ذات أصول عقائدية وفبركة التجارب والقصص لأجل خدمة فكرة نشعر بولاء داخلي لها وقد تكون فكرة عوجاء!
- التصنيفات: الإسلام والعلم -
عندما يتردد على مسامعك مفردات مثل: طاقة، جذب، ذبذبات، ترددات سالبة، موجبة، مثبت علمياً، سرعان ما يتبادر إلى ذهنك الفيزياء والكيمياء.. إلخ. وهذا بالفعل ما توقعته عند اطلاعي على مؤلفات ومحاضرات مروجي ما يسمى بعلوم الطاقة. كنت أتساءل: هل لما يسمى بعلوم الطاقة وقانون الجذب أساس علمي صحيح؟ هل هي ثورة علمية جديدة نرفض جهلاً التواكب معها؟ وكمتخصص كنت أبحث عن الجواب الشافي بعقل منفتح دونما تشنج.
بطلان الأساس العلمي لما يسمى بعلوم الطاقة.. وقانون الجذب نموذجاً
بعد الاطلاع بشكل متجرد وعقل منفتح على ما يسمى بعلوم الطاقة وقانون الجذب (نموذجاً) وتناولها من وجهة نظر علمية بحتة، توصلت إلى التالي:
عملاً بما هو متفق عليه في الأوساط العلمية، فإن القانون (بمفهومه العلمي) هو القواعد النظرية التي تصف كيفية حدوث أمر ما اعتماداً على صحة تجارب مختبرية دون وجود تجربة واحدة خاطئة، وهذا التعريف غير مكتمل الأركان فيما يسمى بـ (قانون الجذب)، حيث إنه يستند فقط إلى حكايات وأدلة قولية (Anecdotal Evidences) والتي لا يعتد بها علمياً، وبالإضافة لعدم إمكانية إثباته ولا نقضه تجريبياً، لذا فإن ما يسمى بقانون الجذب لم يستكمل أركان وشروط القانون علمياً، لذا فهو ليس بقانون!
أن جميع التفسيرات الفيزيائية الصحيحة لا تعمل في صالح ما يسمى بـ (قانون الجذب) بصورته الحالية. وانقسمت مغالطاتهم العلمية على أوجه كثيرة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر:
- الطاقة (Energy):
إن أسهل تعريف للطاقة المثبتة علمياً هي المقدرة على القيام بشغل يحدث تغييراً، لا نعلم ماهيته ولا جوهره ولكن نرى أثره في التحولات من شكل إلى آخر (طاقه حركية، طاقة وضع.. إلخ).
الطاقة (علمياً) واحدة لا سالبة (-) ولا موجبة (+)، إن استخدام الإشارات (سالب وموجب) هي للاستخدام الرياضي فقط، كأن نقول الطاقة الخارجة من الجسم سالبة والداخلة إليه موجبة، كما نستطيع أن نفرض العكس تماماً وهو صحيح أيضاً. لذا فتغيير الإشارات لا يغير في المدلول الفيزيائي شيئاً. أما القول بأن طاقتك تجذب لك الأشياء فمغالطة كبيرة لأن الطاقة ليس لها خاصية الجذب.
تقاس الطاقة بقياس نسبي (Relative) لمرجعية معينة، فالطاقة الحركية (Kinetic Energy) على سبيل المثال تعتمد على الكتلة والسرعة، لكن أي سرعة نقصد؟ أهي السرعة بالنسبة لسطح الأرض؟ أم السرعة بالنسبة لمركزها؟ أم السرعة بالنسبة لمركز الشمس، كل تنوع هذه المرجعيات يقودنا لنتائج مختلفة وجميعها صحيح في الوقت نفسه. وحتى وإن حددنا المرجعية فإننا لا نستطيع قياس الطاقة لجسم ما إلا فقط من خلال حسابات رياضية تقوم على قياسات مختبرية أخرى (كقياسنا للكتلة والسرعة في حال الطاقة الحركية)، لذا لا يمكن من خلال جهاز معين قياس طاقة إنسان وهو مجموع طاقات مختلفة (حركية ووضع وحرارية وغيره) معقدة في بعضها بدون مرجعية متفق عليها.
إن رفع مستوى الطاقة يبعد المادة عن وضع الاستقرار، وإن المادة دوماً تسعى للبقاء في أقل وضع طاقة (Low Energy State) وهو وضع الاستقرار. إن إرتفاع حرارة جسم الإنسان -نوع من أنواع ارتفاع الطاقة الحرارية- خطير وقد يؤدي إلى الموت.
- الذبذبات (Frequencies):
إن الذبذبات هي تكرار لحدث ما خلال وحدة زمن، هي ترددات موجبة تفسر ما لدى بعض الأجسام من مرونة. إن الذبذبات جزء من تكوين القوى والطاقة وليست أمراً منفصلاً قائماً بذاته.
القول بأن الترددات العالية تنتج طاقة عالية قول غير دقيق، فبجانب التردد (Frequency) هناك ما يسمى سعة التردد (Amplitude). فقد تكون هناك ترددات منخفضة لكن طاقتها أعلى لأن سعة التردد لديها عالية.
هل سمعت هذه المقولة: "اذا توافقت ذبذبات شيء تريده مع ذبذباتك فهذا شيء جيد"، هذا خلل فادح. إن كل مادة لها تردد طبيعي (Natural Frequency) بمعنى أن المادة حينما تهتز فإنها لا يمكن أن تهتز إلا وفق ترددات محددة تعتمد على كتلة ومرونة الجسم. وإن توافق التردد الخارجي مع التردد الطبيعي للأجسام ينتج ما نسميه بـ (Resonance) وهذه ظاهرة يميل فيها النظام للاهتزاز بسعة عالية جداً عند ترددات محددة، وغالباً ما تقود إلى كارثة؛ لذا فإن جميع مصممي المباني والطائرات والجسور والآلات.. إلخ، يأخذون حين تصميمها ألا تكون هناك إمكانية لتوافق الذبذبات الخارجية مع الذبذبات الداخلية قدر المستطاع وحتى لا تحدث هذه الظاهرة الخطيرة التي تسببت في سقوط جسور ومبان وكوارث أخرى. حتى أن البعض فسر سبب حدوث (السكتة القلبية) أنه توافق ذبذبي بين تردد خارجي وتردد نبضات القلب.
والقول بأن "ذبذباتك تجذب الأشياء" ادعاء باطل علمياً، فليس للذبذبات خاصية الجذب، وهي ليست منعزلة بذاتها بل جزء من تكوين القوى الفيزيائية. ومما يثير الشفقة أن تسمعهم يقولون: "ذبذبات السعادة والثراء عالية والحزن والفقر منخفضة ولها قياس معين"، إنني أتساءل هنا: كيف نقيس السعادة وهي عبارة عن مشاعر معنوية -لا وجود مادي لها- بقياس مادي من ترددات وغيره؟! هذه كارثة علمية!
- الجذب (Attraction):
نلخص أنواع الجاذبية فيزيائياً في اثنتين: الجاذبية الكونية (Newton's Law of Universal Gravitation)؛ الجاذبية التي تتسبب فيها الكتل الضخمة جداً كالأرض والشمس فيما بينها أو بين الأرض والكتل التي حولها، أو اختلاف الشحنات موجبة وسالبة، الذي نقصد به الكهرومغناطيسية (Electromagnetism).
إن جسم الإنسان ليس كتلة ضخمة حتى يستطيع الجذب، كما أن شحنته الكلية متعادلة فلا يجذب كهرومغناطيسياً شيئاً. لذا فلا الذبذبات لها خاصية الجذب ولا الطاقة كذلك ولا كتلة الإنسان تسمح بأن يكون له جاذبية وليس له شحنة كهربائية حتى يجذب، لذا فمقولة أن الإنسان يجذب الأشياء مغالطة كبيرة وسطحية في الفهم.
- المراقب (Observer):
يتطرق مبدأ عدم اليقين (Uncertainty Principle) للعالم هايزنبرج إلى أنه لا يمكن قياس كميتين ثنائيتين إلا ضمن دقة معينة (خواص كمومية على المستوى الذري)، أي لا يمكن قياسهما بدقة ٪100.
يشرح الفيزيائي هايزنبيرج هذا المبدأ فيقول: "إذا أردنا أن نقيس موضع إلكترون وسرعته في آن واحد، فإننا بمجرد ملاحظتنا له -من خلال تسليط الضوء الذي هو عبارة عن فوتونات تحمل طاقة كمومية-، فإن قياسنا لموضعه حين تسليط الضوء عليه يكسبه طاقة كفيلة بتغيير سرعته واتجاهه. أي أن قياس دقة الموضع سيؤثر على دقة قياس السرعة والعكس أيضاً. الأمر الذي يجعل نتائج فيزياء الكم احتمالية والتنبؤ دون الجزم بمعرفة المستقبل. وخلاصة ما تقدم هو أن المراقب يؤثر بسبب مراقبته سلوك الأشياء -التي يراقبها-".
لجهلهم قفزوا إلى التعميم فقالوا بكل جرأة ودون تحرّز ولا حتى استثناء: "أن الإنسان يؤثر في الكون كله""، بينما ما هو متفق عليه هو أن التأثير على الأشياء سببه المراقبة المباشرة وليس الأمر مفتوحاً على مصراعيه، ونحن نسأل: هل حتى تلك الأشياء التي لا يراقبها الإنسان يؤثر فيها؟! فمثلاً على سبيل التوضيح: لو قلت لشخص أريد أن أراقبك لأعرف أخلاقك، بلا شك أن مراقبتك له قد تؤثر به وتدفعه ليغير من أسلوبه ويبدو أفضل، لكن السؤال المهم: ماذا عن الأشخاص الذين لا نراقبهم هل يغيرون من سلوكهم؟ أنا لا أعلم كيف قادهم تفكيرهم واستنتاجهم المعلول إلى مثل هذا القول.
تجارب أثارت جدل: باكستر، إيموتو، وليام تيلر
هناك العديد من التجارب التي حدث حولها جدل طويل وهناك من يروج لها بغير علم، أغلبها يتمحور حول أثر الأفكار والنية على النباتات والجمادات.
لم يكن كليف باكستر (Cleve Backster) عالم نبات كما يتوقع البعض، بل كان ضابط تحقيق في وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA والذي يعمل على أجهزة كشف الكذب. ففي بدايات 1960م خرج بنظرية (Primary perception) والتي أحدثت ضجة في الوسط العلمي. فهو يدعي أن للنبات إدراكاً ووعياً بما حوله.
ويحاول مؤيدو هذه التجارب أن يؤكدوا تأثير الأفكار على الآخر بما في ذلك التأثير على الإنسان والنبات والجماد. حدث جدل واسع بين علماء من داخل المؤسسات العلمية الراقية، فمنهم من يشكك في صحتها ومنهم من هو منفتح على الجديد، إلا أن الجميع كانوا على اتفاق أن يكون هناك موقف حاسم في هذا الأمر وأن تتولى هذه المهمة مؤسسة علمية تحظى باحترام الجميع، ونتيجةً لذلك وفي عام 1975م، أوكلت الرابطة الأمريكية لتقدم العلوم (The American Association for the Advancement of Science) الناشرة لإحدى أرقى المجلات العلمية على الإطلاق، مجلة (Science)؛ مهمة لعلماء نبات من جامعة كورنل الشهيرة (Cornell University) للتأكد من صحة تجارب باكستر، وبعد أن تواصل هؤلاء العلماء مع باكستر نفسه وقاموا باتباع منهجيته ذاتها في التجربة التي نشرها، وتكرارها تحت أعين مؤيديه ومعارضيه؛ أصدر هؤلاء العلماء تقريرهم والذي خلص إلى أنه لم تنجح أي تجربة مكررة لتجارب باكستر التي يدعيها ولا يوجد أي ارتباط بين نية الإيذاء أو النفع وتفاعل النبات مع ذلك، يمكنك الاطلاع على البحث المنشور.
ومن النبات إلى الماء، ننتقل للياباني ماسارو إموتو (Masaru Emoto) والحاصل على بكالوريوس في العلاقات الدولية -وليس في الكيمياء مثلاً!- وعلى الدكتوراه في الطب البديل في الهند، أثار إموتو بتجاربه حول وعي الماء جدلاً واسعاً، نشرها في كتابه رسائل من الماء (Messages from Water)، وأتبعها بتجارب على الأرز، يدعي من خلالها تأثر الأرز بالكلمات الطيبة وغيرها.
يمتنع إيموتو دائماً عن مشاركة الوسط العلمي تفاصيل تجاربه التي يقوم بعملها والمنهجية التي يتبعها، ولا ينشر تجاربه إلا في كتبه أو في مجلات علمية غير معتمدة، هنا مقالة علمية تناقش إشكالات إيموتو العلمية.
ليس هذا فقط بل في عام 2003م عرضت مؤسسة جيمس راندي مبلغاً قدره مليون دولار على إيموتو في حال أعاد بنجاح تجاربه تحت أعين الكاميرات والمتخصصين. ومنذ ذلك الحين -انقضى أحد عشر عاماً- وحتى هذه اللحظة يتهرب إيموتو!!
د. ويليام تيلر (William Tiller) وهو بروفيسور متقاعد منذ 1992م من جامعة ستانفورد الشهيرة (Stanford University) تخصص هندسة. ويمكنك التأكد من آخر سنة كان يعمل في الجامعة من خلال هذا الموقع.
بعد تقاعده أسس مؤسسة خاصة به -لا تتبع جامعة ستانفود- ونشر بحثاً أثار جدلاً كبيراً ادعى فيه قدرة استحضار النية على تغيير حموضة وقلوية الماء (PH)، وللاطلاع على البحث.
لقد نشر تيلر كتباً عن دور النية في التأثير على العالم المادي، وقدرتها على إرسال طاقة خفية (Subtle Energy) غير قابلة للقياس في حدود أدوات قياس العلم الحالي. من المؤكد أن جميع أبحاث د. ويليام تيلر عن النية ودورها في التأثير على الخارج تمت خارج أروقة جامعة ستانفورد وخلافاً لطبيعة أبحاثه فيها سابقاً.
في حقيقة الأمر، وبعد اطلاعي على هذا البحث بالتحديد والذي يستند إليه كثيراً د. ويليام تيلر، لم أستغرب سبب رفض المجلات العلمية المعتمدة نشره لما شابه من الخلل في المنهجية وفي التفسير، ولم تنشره إلا مجلة (Journal of Scientific Exploration) غير المعتمدة والتي تدعم أبحاث دور الأفكار في التأثير على الآخرين، وفي سياسة نشرها لا تحرص على التمييز بين العلم الزائف والعلم الحقيقي لعدم تحققها من البحث وأدواته ومنهجيته.
كارثية هذا البحث أن منهجيته يشوبها خلل كبير، والأجهزة المستخدمة يحيطها كثير من الغموض وتحوم حولها علامات استفهام كثيرة وقفزة لتفسيرات بغير مبرر علمي. لقد تتبعت ما ينشره د. ويليام تيلر فوجدت أن جميع ما نشره بخصوص هذه المواضيع لم يتم إلا في كتبه الخاصة أو في مجلات علمية غير معتمدة ذات سمعة رديئة. يمكنك البحث عن المجلة لترى هل هي معتمدة أم لا، وهذا موقع رويترز العلمي به أكثر من 12 ألف مجلة معتمدة.
ينطلق باكستر وإيموتو وتيلر من الأفكار ذاتها ويمارسون الطريقة نفسها في ليّ عنق المعلومات وتزييف التجارب لخدمة أفكار أيديولوجية مسبقة، ولا يوجد منهجية صحيحة بنيت عليها التجارب والتفسيرات اللاحقة المغلوطة! ومع هذا فما زالت مؤسسة راندي تعرض مليون دولار إن كان بإمكان أي منهم إجراء تجربته بطريقته تحت إشراف متخصصين وكاميرات تسجيل، هنا رابط طلب التقديم على التحدي وشروطه.
أبحاث مزورة وفضائح مهنية
في شهر مارس من عام 1974م نشر راين (J. B. Rhine) بحثاً بعنوان (الأمن ضد الخداع في خوارق اللاشعور: Security versus deception in parapsychology) في مجلة (Journal of Parapsychology). ورغم أن راين يُعد من أهم المنافحين عن الإدراك فوق الحس، إلا أنه يذكر في صدر بحثه أنه تم توثيق 12 حالة تزوير في تجارب بحثية في علوم الطاقة تم نشرها بين عام 1940م وعام 1950م، حيث تعمد الباحثون التدليس في نتائج البحث بما يخدم الفكرة العامة التي يريدون إيصالها، يمكنك الاطلاع عليها من هنا.
وفي عام 1979م قامت جامعة برينسستون (Princeton University) بتأسيس مركز أبحاث باسم (The Princeton Engineering Anomalies Research (PEAR) program)، المعني ببحث التخاطر وغيره، وتوالت الانتقادات على المركز، ففي عام 1996م تم نشر بحث في مجلة خوارق اللاشعور أو ما وراء النفس (Journal of Parapsychology) بعنوان (CRITIQUE OF THE PEAR REMOTE-VIEWING EXPERIMENTS)، يؤكد تناول المركز للأبحاث بشكل غير مهني لمدة عشر سنوات سابقة وأن المناهج العلمية التي تمت من خلالها أبحاثهم مهلهلة وغيرها من الانتقادات الحادة. لقد شكل هذا الأمر إحراجاً لجامعة عريقة كجامعة برينسستون وهو ما حدا بها إلى إغلاق المركز عام 2007م، يمكنك الاطلاع على نسخة PDF للبحث من خلال الرابط، وخبر نيويورك تايمز.
في عام 1979م، قدم جيمس مكدونل (James S. McDonnell) الشهير في صناعات الطيران وأحد المؤمنين بخوارق اللاشعور، مبلغاً قدره 500,000 دولار كمنحة لجامعة واشنطن في سانت لويس لإقامة مختبر يعتني بالأبحاث الروحية. في هذه الأثناء دبر جيمس راندي (James Randi: الذي عرف بأنه محترف ألعاب خدع سحرية ومن المكذبين للقدرات الخارقة) مع شابين ستيف وميشيل (Steve Shaw and Michael Edwards: محترفي ألعاب سحرية لكنهما مغموران) مكيدة لهذا المختبر، حيث قدم الشابان نفسيهما لمركز الأبحاث على أنهما يمتلكان قدرات خارقة كـ (ثني الملعقة، والاستبصار وغيره).
وقام المركز بأبحاث عليهما وبحضور مختلف الباحثين حتى خرجوا بنتائج مذهلة!، لكن الفرحة لم تستمر، ففي عام 1983م أعلن جيمس راندي ورفاقه ستيف وميشيل أنهم خدعوا مركز الأبحاث وأنهم فقط يمارسون خفة اليد والخداع ولا يمتلكون قدرات خارقة، نشر الخبر في مجلة نيويورك تايمز تحت عنوان مجهود ساحر فضح العلماء ليثير قضايا أخلاقية (MAGICIAN>S EFFORT TO DEBUNK SCIENTISTS RAISES ETHICAL ISSUES).
تجارب حكومية باءت بالفشل
منذ عام 1970م والحكومة الأمريكية لديها اهتمام كبير بدراسة ظواهر (الإدراك فوق الحس) لغرض استخدامها في خدمة ترسانتها الاستخباراتية والعسكرية. حيث ادعى الكثيرون قدرة الإنسان على النفع والإيذاء بأفكاره وبالتركيز والتخاطر وغيرها من الظواهر الكونية. من هذا الاهتمام، أنشأت مشروع ستارغيت (Stargate Project)، وبعد العديد من الدراسات التي أثيرت حولها الشبهات، أوكلت المهمة في عام 1995م لوكالة الاستخبارات الـ (CIA) والتي بدورها أوكلت المهمة للمعهد الأمريكي للأبحاث (American Institutes for Research)، ولقد خلص المعهد إلى أن هذه الدراسات شابها كثير من الخلل في المنهجية وقفزت لنتائج دون مسوغ علمي لها، إضافة إلى عدم ثبوت وجود هذه القدرات وعدم نفعيتها في العمل الاستخباراتي، يمكنك الاطلاع على التقرير من خلال الرابط.
وفي أواخر عام 1995م خرج الخبر في التايم TIME تحت عنوان:
(TEN YEARS AND $20 MILLION LATER, THE PENTAGON DISCOVERS THAT PSYCHICS ARE UNRELIABLE SPIES - عشر سنوات وعشرين مليون دولار، ليكتشف البنتاغون أن أصحاب القدرات الخارقة جواسيس لا يعتمد عليهم)! رابط الخبر.
ليست فقط الحكومة الأمريكية هي التي كانت تحاول الاستفادة من أمر كهذا، بل أيضاً الحكومة البريطانية، ففي عام 2001م قامت وزارة الدفاع البريطانية بدراسة ظاهرة الاستبصار وقدرة الإنسان على رؤية الأمور عن بعد، وفي عام 2007م كشفت وزارة الدفاع البريطانية عن الدراسات وخلصت النتائج إلى أنه لا يوجد ما يدعم وجود هذه الظاهرة أو إمكانية الاستفادة منها، يمكنك الاطلاع على الدراسات ونتائجها.
لقد حاولت الحكومة البريطانية القيام بتطبيق أعلى درجات المهنية وتطبيق المنهج العلمي في البحث حتى لا تكرر فضيحة الحكومة الأمريكية، ولكنها خلصت إلى النتائج ذاتها.
وهم الجديد
لقد وجدتُ أغلب المهتمين بما يسمى بعلوم الطاقة يصورون للجمهور أن ما يتطرقون إليه هو علم جديد، وأن خصومهم يحاربون كل جديد. فتجدهم يتحدثون تارة عن أثر النية على السلوك المادي، وتارة عن قانون الجذب، وأخيراً يتحدثون عن موضوع السنجلارتي (Singularity) والأكوان المتوازية (Parallel Universes) وغيرها. ومما يثير الشفقة أن مثل هذه المواضيع تم تناولها في المجتمع الغربي منذ عقود طويلة جداً وهجروها! حيث بدأ تناول مواضيع ما يسمى بعلوم الطاقة بحثياً منذ عام 1882م، وموضوع السنجلارتي منذ عام 1794م، والأكوان المتوازية قبل عام 1900م، كلها مواضيع قديمة جداً تم التطرق إليها منذ أكثر من 100 عام وكتبت فيها الكتب وجعلت في أفلام سينمائية، لكنها لم تصل لمجتمعنا العربي إلا حديثاً لذلك يسمونها وهماً (جديد)!
ختاماً
إننا نؤكد دائماً ضرورة التعامل مع الفكرة الجديدة دونما تشنج، لا نرفض جديداً أو نتقبله دون وجود منظومة معرفية نميز من خلالها الجديد النافع من الخرافة. كما نؤكد حرمة ليّ أعناق الأحاديث والآيات لأسلمة أفكار ذات أصول عقائدية وفبركة التجارب والقصص لأجل خدمة فكرة نشعر بولاء داخلي لها وقد تكون فكرة عوجاء!
لقد حثنا ديننا الحنيف في مواضع كثيرة على أن نتفكر ونعمل العقل، لقد تناولنا الموضوع بطريقة علمية. نؤمن بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء من الآية:135]، نؤمن بأنه من تراخى في التحقق من صحة المعلومة ونشرها لغاية في نفسه فكانت خلاف الحقيقة، تحمل وزرها ووزر من نشرها بسببه، قال تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف من الآية:19].
طلال عيد العتيبي
27/10/2014