[1] إنه الملك
القلب هو خط الدفاع الأول والأخير، فإذا ضعف القلب أو فسد أو استسلم انهارت الجوارح!!
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
القلب أمير الجسد وملك الأعضاء، فهو راعيها الوحيد وقائدها، وإنما الجوارح والحواس تبع له وآلات تصدع بما تؤمر، فلا تصدر أفعالها إلا عن أمره، ولا يستعملها في غير ما يريد، فهي تحت سيطرته وقهره، ومنه تكتسب الاستقامة أو الزيغ، وبين القلب والاعضاء صلة عجيبة وتوافق غريب بحيث تسري مخالفة كل منهما فوراً إلى الآخر، فإذا زاغ البصر فلأنه مأمور، وإذا كذب اللسان فما هو غير عبد مقهور، وإذا سعت القدم إلى الحرام فسعي القلب أسبق، وقال لمن يؤم من المصلين: « » (صحيح مسلم [432])، فأعمال الجوارح ثمرة لأعمال القلب، والخلاصة: القلب هو خط الدفاع الأول والأخير، فإذا ضعف القلب أو فسد أو استسلم انهارت الجوارح!!
وفي المقابل إذا ذكر العبد ربه فلأن القلب ذَكَر، وإذا أطلق يده بالصدقة فلأن القلب أذِن، وإذا بكت العين فلأن القلب أمر، فالقلب مملي الكلام على اللسان إذا نطق، وعلى اليد إذا كتبت، وعلى الأقدام إذا مشت، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم للقلب حقه ومكانته حتى وصفه بأنه: « » (صحيح البخاري [52])، وتوجه أول ما توجَّه إليه ليربّيه ويهتم به ويزكِّيه.
فكل الأفعال مردها إلى القلب وانبعاثها من القلب، وكل الأفعال تعني كل الأفعال ولو كانت لبس ثيابك وزينة بدنك!! وهذا ما أدركه مستودع القرآن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال: "لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب".
هدف الحبيب الأول
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إنما نزل أول ما نزل منه (القرآن) سورة من الُمفصّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبداً".
فقد حرَّم الله الخمر في العام الثاني من الهجرة أي بعد البعثة بخمسة عشر سنة، وفرض الزكاة في العام الثاني من الهجرة كذلك، وفرض الحجاب في العام السادس من الهجرة بعد تسع عشرة سنة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كلها تكليفات تأخَّر نزولها حتى زكى القلب ولأن وتمكَّن منه الحق واستبان.
ولشرف القلب جعله الله أداة التعرف عليه ووسيلة الاهتداء إليه، بل إذا غضب الله على عبد كان أقصى عقوبة يُنزلها به أن يحول بينه وبين قلبه، وحيلولته هي أن يحرمه من معرفته وقربه، لذا كان الاهتمام به تعبير عن الاهتمام بالأهم عن المهم وبالأصل عن الفرع.