لعلها تكون خير ليلة!

منذ 2015-07-19

لست من معتادي التماس مشهد الشمس، وأرى دومًا أن الالتزام بالهدي النبوي من الاجتهاد في سائر العشر دون تمييز أولى وأفضل، لذا لم أشغل بالي منذ تعودت الاعتكاف بموضوع تحديدها، لكن فعلًا هذه المرة كانت مختلفة.

في رمضان: اقتحم خبائي منزعجًا والحزن يرسم على وجهه الشاحب خطوطًا من الدمع..!
صاح بي دون سلام ولا كلام، وصوته يتهدج من بين عبراته: "يا شيخ الحقني قل لي أعمل إيه، لم أركع لله ركعة في الليلة الماضية، لم أصل أي صلاة ولا حتى العشاء".

لأول وهلة لم أستوعب ما يقول، هذا الوجه ليس غريبًا، إنه معتكف معنا..
نعم أتذكره وأميزه رغم العدد الكبير من المعتكفين الذين رافقونا في ذلك المعتكف منذ تسع سنوات تقريبًا، إنه شاب طيب هادىء لم أر منه في المعتكف إلا خيرًا.. 

لكن كيف أجمع بين اعتكافه وتركه للصلاة المفروضة فى الليلة الماضية التي نحن في صبيحتها؟! 
وليست أي ليلة هي لقد كانت ليلة التاسع والعشرين، ليلة مثل التي نحن مقبلون عليها الآن، لكن في ذاك العام كان الأمر مختلفًا، لقد دخل علي الشاب بعد أن عدنا من على أعتاب المسجد، وقد نادانا بعض أهل المسجد لنشهد أعجب شمس رأيتها في حياتي! لقد كانت كأنما هي القمر في ليلة البدر، لم أر في عمري هذه العلامة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوضوح وتلك الصراحة..

لست من معتادي التماس مشهد الشمس، وأرى دومًا أن الالتزام بالهدي النبوي من الاجتهاد في سائر العشر دون تمييز أولى وأفضل، لذا لم أشغل بالي منذ تعودت الاعتكاف بموضوع تحديدها، لكن فعلًا هذه المرة كانت مختلفة.

عمومًا ليس هذا موضوعنا لنعد إلى صاحبنا الباكي..
هدأت من روعه وبدأت ألتقط أطراف الموضوع من بين حروفه الدامعة، الشاب اجتهد جدًا في سائر ليالي العشر وختم اجتهاده بليلة السابع والعشرين التي ظن كما يظن كثير من الناس أنها المنشودة لا محالة، لقد تفانى -حسب روايته- في ليلة السابع والعشرين ثم تكاسل قليلاً ليلة الثامن والعشرين المظلومة كما بينت في مقالي السابق، ثم كانت ليلة التاسع والعشرين فخرج من معتكفه بعد الإفطار وهو ينوي أن يتجول قليلاً ثم يعود ليكمل عبادته في تلك الليلة -غير المهمة في نظره-. 

تشاغل وتغافل..
نسىي أو تناسى، حتى انبلج الصبح وجاء ليبيت في المسجد ليفاجأ بما حاول أن يلتمسه ويحوز فضله، وقد فاته حتى أن يحفظ فيه فرضه، وجدت الشاب على مشارف يأس وقنوط وقد ظن أنه محروم مطرود مرفوض، فذكرته برحمة مولاه خشية أن يتملكه اليأس من روح الله التي لا ييأس منها إلا القوم الكافرون.

قام الشاب بعد أن هدأ قليلاً وغادر خبائي وتركني أفكر..
ظني بربي ألا يرده وقد ندم على تقصيره في أداء فرضه قبل نفله لكنني لم أنس هذا المشهد، مشهد دموع شاب تمنى أن يدرك الليلة وأدمن طرق الباب فلما فتح كان قد أدار ظهره..!

صحيح أنه بإذن الله لو عاود الطرق سيفتح له كما هو الظن بجوده ورحمته، لكنني يومئذ أحسست بمعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان» (صحيح الجامع:1238).

وجدت نفسى أرتل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، يا لها من وصية ربانية لخير البرية بأن يداوم على العبودية حتى توافيه المنية، أفيمل أمثالنا بعد سماع تلك الوصية؟ أفنترك المضمار في نهاية السباق ونذر الاجتهاد بين يدي الوداع؟!

لا والله لا يكون ولا ينبغي أن يكون، فلنعقد العزم ولنجمع النية لعلها تكون الليلة الأخيرة والمنشودة..
لعلها تكون ليلة العتق والمغفرة.. لعلها تكون خير ليلة! ليلة القدر.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 1,403

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً