إشكال ودفعه في الدعاء على الظالم
أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي
يقول الحافظ في (الفتح): "وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكن من حيث إنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته"
- التصنيفات: ترجمة معاني القرآن الكريم -
لدليلين ظاهرهما الدلالة على جواز الدعاء على الظالم بالإثم والمعصية.
في حكاية الله عز وجل عن موسى عليه السلام دعاءه على فرعون وقومه وفيه: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:88].
قال ابن كثير في تفسيره:
"{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} قال ابن عباس: أي اطبع عليها، {فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ}، وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضبًا لله، وقد استشكل بعض الناس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم، وحُكْم الرسل استدعاء إيمان قومهم؟
فالجواب: أنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن من الله، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن، دليله قوله لنوح عليه السلام: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود من الآية:36]، وعند ذلك قال: {رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح من الآية:26]، ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنه لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء..." (أ.هـ).
قال الشيخ أحمد النفراوي في (الفواكه الدواني): "اختلف في جواز الدعاء على المسلم العاصي بسوء الخاتمة..
قال ابن ناجي: أفتى بعض شيوخنا بالجواز، محتجًا بدعاء موسى على فرعون بقوله تعالى حكايةً عنه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ}، والصواب عندي أنه لا يجوز، وليس في الآية ما يدل على الجواز؛ لأنه فرق بين الكافر المأيوس من إيمانه كفرعون، وبين المؤمن العاصي المقطوع له بالجنة إما ابتداءً أو بعد عذابٍ" (أ.هـ).
الثاني: حديث جابر بن سمرة في شكاية أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر، وقيام ذلك الرجل في المسجد واتهامه لسعد بتهم عدة قال: "قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ، وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ".
فظن بعض الناس أن سعدًا دعا عليه بالمعصية والإثم، ولكن الصواب أنه دعا عليه بتعرضه للفتن والبلايا والمحن في الدين والدنيا -كما قال: "وعرضه بالفتن"-، والفتنة لا تعني المعصية، ولكنها تعني الشدة التي قد توقع في المعصية إن لم يصبر عليها.
يقول الحافظ في (الفتح):
"وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكن من حيث إنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته" والله أعلم.