[19] مستودع الأخلاق والمشاعر
حُسْن الخلق من حياة القلب، وسوء الخلق من مرض القلب أو موته.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
إن قلب المرء هو الذي يتحكم في أخلاقه ويكظم انفعالاته ويضبط سلوكه ويهذِّب الشارد من طباعه، وهل تسكن أخلاق الأمانة والوفاء والصبر والحلم والرحمة والعفو والصدق والعدل بيتًا غير القلب؟! ولذا قال الأحنف بن قيس:
ولربما ضحك الحليم من الأذى *** وفؤاده من حرِّه يتأوَّه
ولربما شكل الحليم لسانه *** حذر الجواب وإنه لمُفوَّه
فحُسْن الخلق من حياة القلب، وسوء الخلق من مرض القلب أو موته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، ولذا فقد كان قلبه أعمر القلوب بالحياة حتى أيقظ قلوب كل من كان حوله في حياته وبعد رحيله.
قال أبو حامد الغزالي: "القلب خزانة كل جوهر للعبد نفيس، وكل معنى خطير، أولها العقل، وأجلُّها معرفة الله تعالى التي هي سبب سعادة الدارين، ثم البصائر التي بها التقدُّم والوجاهة عند الله تعالى، ثم النية الخالصة في الطاعات التي بها يتعلَّق ثواب الأبد، ثم أنواع العلوم والحكم التي هي شرف العبد، وسائر الأخلاق الشريفة الخصال الحميدة التي بها يحصل تفاضل الرجال، وحُقَّ لهذه الخزانة أن تُحفظ وتصان عن الأدناس والآفات، وتُحرس وتُحرز من السُرَّاق والقُطَّاع، وتُكرم وتُجَلُّ بضروب الكرامات، لئلا يلحق تلك الجواهر العزيزة دنس، ولا يظفر بها والعياذ بالله عدو".
إن قلبًا عزيزًا يمتلئ بالحزن سوف يرسل الأوامر إلى الوجه ليبتسم حتى لا يعلم الناس ما به من أذى، فإن علموا ما به ظلَّ متألمًا بِذُلِّ الشكوى محترقًا بنار شفقة الناس عليه، وهكذا كان قلب العزيز أسامة بن منقذ حين قال:
نافقتُ قلبي فوجـهي ضاحكٌ جذِل *** طلـق وقلبي كئيب مُكْمد باكِ
وراحة القلب في الشكوى ولذتها *** لو أمكنت لا تساوي ذلة الشاكي
إن القلب والباطن هو من يضبط ويتحكم في الجوارح والظاهر ليظهر أمام الناس ما يسمح به القلب فحسب، ويأذن به ويرضاه، واسمع مرة ثانية إلى قول أسامة بن منقذ وتمثيله الجميل:
انظر إلى حسن صبر الشمع يُظهِرُ للـ *** رائين نورا وفيه النار تستعِر
كذا الكـريم تراه تـراه ضاحكا جـذِلًا *** وقلـبه بدخـيل الغـم منفطر