[12] رسالة تحذير
قال النووي [ت:606]: "ما أخاف على ذِمِّي إلا القُرَّاء والعلماء"، فاستنكروا منه ذلك، فقال: "ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي"، وقال عطاء: "احذروا القُرَّاء واحذروني معهم، فلو خالفتُ أودَّهم لي في رمانة؛ أقول إنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر"، وقال الفضيل لابنه: :اشتروا داراً بعيدة عن القُرَّاء؛ ما لي والقوم! إن ظهرت مني زلة قتلوني، وإن ظهرت علي حسنة حسدوني".
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
قال صلى الله عليه وسلم: «» (صحيح الجامع [2576])، وهو إشارة إلى أن علم القلوب سيضمحل وسط طغيان علوم الدنيا، وأن أسراره ستضيع وبركاته ستذهب وسط الزحام، وهو أول فساد يمس الأرض بعد رسول الله، ليكون علامة على خبث الباطن، ومخالفة السر العلن، وعندها فساد كل شيء: تذبل القلوب لموت الأرواح فيها، وتقرأ الألسنة العربية القرآن وكأنها أعجمية، فلا فهم ولا تدبر ولا امتثال، وتنشغل الأمّة -إن انشغلت- بمظهر العبادة دون جوهرها، وتهتم بأركانها دون مقاصدها، ويكثر البهرج الزائف وإن اتَّشح بوشاح القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: « » (مسند أحمد [10/123]).
وإذا فشا النفاق في أمّة رأيتَ العجب العجاب، ليس في زماننا فحسب، بل وفي زمان من هم أزكى منا وأطهر، وليس بين العوام بل بين حفظة كتاب الله.
قال النووي [ت:606]: "ما أخاف على ذِمِّي إلا القُرَّاء والعلماء"، فاستنكروا منه ذلك، فقال: "ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي"، وقال عطاء: "احذروا القُرَّاء واحذروني معهم، فلو خالفتُ أودَّهم لي في رمانة؛ أقول إنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر"، وقال الفضيل لابنه: :اشتروا داراً بعيدة عن القُرَّاء؛ ما لي والقوم! إن ظهرت مني زلة قتلوني، وإن ظهرت علي حسنة حسدوني".
وهل هذا إلا لفساد الباطن وخبث السريرة؛ مع أن الله قد يهدي بقراءتهم الألوف من الناس، لكن ذلك لا يُغني عنهم من عذاب الله من شيء إن هم فسدت قلوبهم، وهذا ما سبق وحذَّرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: « » (مسند أحمد [1/86]).
قال المناوي شارحاً: "أي كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل، اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها؛ يدعو الناس إلى الله ويفرُّ هو منه، ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه، ويُظهِر للناس التنسك والتعبد ويسارر ربه بالعظائم، إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب، فهذا هو الذي حذَّر منه الشارع هنا حذراً من أن يخطِفك بحلاوة لسانه، ويُحرِقك بنار عصيانه، ويقتلك بنتن باطنه وجنانه".
وسبب تحديث عمر رضي الله عنه بهذا الحديث أن الأحنف بن قيس سيد أهل البصرة كان فاضلاً فصيحاً مفوَّهاً، فقدم على عمر فحبسه عنده سنة يأتيه كل يوم وليلة، فلا يأتيه عنه إلا ما يحب، ثم دعاه فقال:"تدري لم حبستك عني؟!"، قال: "لا"، قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثنا"، فذكر الحديث، ثم قال:"خشيتُ أن تكون منافقاً عليم اللسان، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا منه، وأرجو أن تكون مؤمناً فانحدر إلى مصرك".