مع القرآن - من عرف الله علم أنه لا حاجة له لولد
الله تعالى المالك القاهر، وأنتم المملوكون المقهورون، وهو الغني وأنتم الفقراء.. فكيف مع هذا يكون له ولد؟ هذا من أبطل الباطل وأسمجه.
بعد سنوات طوال من رفع المسيح عليه السلام ادعى النصارى أن الله له ولد، وأن عيسى هو ولده، ودعوا الناس إلى ذلك..
خلافًا لما أتى به عيسى من تعاليم تتوافق مع منهج التوحيد الخالص لله، الذي أتى به ودعى إليه وبشر به جميع من بعث قبله من المرسلين والأنبياء.
ولو عرف هؤلاء ربهم حق المعرفة لما تجرأوا على هذه الدعاوى الحمقاء..
فالله منزه عن الحاجة لما يحتاج إليه المخلوق من الولد والزوج، سبحانه أن يكون له في ملكه شريك أو ظهير أو معاون، وسبحانه أن يحتاج لخلقه فهو الصمد الذي تقصده جميع المخلوقات بحوائجها، وهو وحده الذي يمتلك القوة والقدرة المطلقة على إجابة هذه الحاجات، وما لا يخطر لخلقه على بال.
قال تعالى:
{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ . بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:116-117].
{وَقَالُوا} أي: اليهود والنصارى والمشركون، وكل من قال ذلك: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} فنسبوه إلى ما لا يليق بجلاله، وأساءوا كل الإساءة، وظلموا أنفسهم، وهو تعالى صابر على ذلك منهم، قد حلم عليهم، وعافاهم، ورزقهم مع تنقصهم إياه.
{سُبْحَانَهُ} أي: تنزه وتقدس عن كل ما وصفه به المشركون والظالمون مما لا يليق بجلاله، فسبحان من له الكمال المطلق، من جميع الوجوه، الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه.
ومع رده لقولهم، أقام الحجة والبرهان على تنزيهه عن ذلك فقال: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: جميعهم ملكه وعبيده، يتصرف فيهم تصرف المالك بالمماليك، وهم قانتون له مسخرون تحت تدبيره، فإذا كانوا كلهم عبيده، مفتقرين إليه، وهو غني عنهم، فكيف يكون منهم أحد، يكون له ولدا، والولد لا بد أن يكون من جنس والده، لأنه جزء منه.
والله تعالى المالك القاهر، وأنتم المملوكون المقهورون، وهو الغني وأنتم الفقراء..
فكيف مع هذا يكون له ولد؟ هذا من أبطل الباطل وأسمجه.
والقنوت نوعان: قنوت عام: وهو قنوت الخلق كلهم تحت تدبير الخالق.
وخاص: وهو قنوت العبادة.
فالنوع الأول كما في هذه الآية، والنوع الثاني: كما في قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.
ثم قال: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: خالقهما على وجه قد أتقنهما وأحسنهما على غير مثال سبق.
{وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فلا يستعصى عليه، ولا يمتنع منه.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: