مواقف لا تحتاج إلى تعليق!
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
لماذا يسهل علينا إغماد السيوف في الخواصر، ويصعب نزعها؟!
لماذا يهون علينا أن نجرح غيرنا، ويصعب علينا أن نداوي تلك الجراح؟!
لماذا لا نحتمل من غيرنا أن يخطىء علينا، ونحن من نمارس ما نكرهه مع غيرنا؟
لماذا نستعظم ما يأتي إلينا، ونحتقر ما يصدر عنا؟!
هل هو الكبر والتعالي؟ أم اللامبالاة بمشاعر الناس؟ أم سوء التربية؟ أم هي القسوة التي ذهبت بتلك المشاعر والعواطف؟ أم هو الجهل بدين الله الذي صان الكرامات، وحفظ الحقوق، ورعى الأحاسيس؟
أم هذه الأسباب جميعًا؟ أم أن هناك غيرها؟
- التصنيفات: السيرة النبوية - تزكية النفس -
الحمد لله الباسط القابض، الرافع الخافض، والصلاة والسلام على خير الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فكم منا من يخطىء على غيره بسببٍ وبغيره!
والعجيب أنه مع كثرة الأخطاء والخطايا، وكثرة المجروحين والمتألمين، وكثرة الآلام والحسرات في قلوبنا من بعضنا إلا أنك تعاني من قلة المعتذرين لبعضهم، وندرة الراجعين عن أخطائهم!
فلماذا يسهل علينا إغماد السيوف في الخواصر، ويصعب نزعها؟!
لماذا يهون علينا أن نجرح غيرنا، ويصعب علينا أن نداوي تلك الجراح؟!
لماذا لا نحتمل من غيرنا أن يخطىء علينا، ونحن من نمارس ما نكرهه مع غيرنا؟
لماذا نستعظم ما يأتي إلينا، ونحتقر ما يصدر عنا؟!
هل هو الكبر والتعالي؟ أم اللامبالاة بمشاعر الناس؟ أم سوء التربية؟ أم هي القسوة التي ذهبت بتلك المشاعر والعواطف؟ أم هو الجهل بدين الله الذي صان الكرامات، وحفظ الحقوق، وراعى الأحاسيس؟
أم هذه الأسباب جميعًا؟ أم أن هناك غيرها؟
الحقيقة أننا قد نقصّر كثيرًا في تربية أنفسنا مما يدعونا لمثل تلك الزلات مع الناس، ولو تأملنا ماذا فعل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم مع الخلق لوجدنا مكمن الخلل وموطن الزلل في نفوسنا، التي أبت علينا الرجوع إلى الحق والانقياد له والدوران معه حيث دار، وتأمل، تعجب!
فعن حبان بن واسع بن حبان عن أشياخٍ من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدحٌ يعدل به القوم، فمر بسواد بن غَزِيَّة وهو مُستنتلٌ من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال صلى الله عليه وسلم: « » فقال: يا رسول الله! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال صلى الله عليه وسلم: « ». قال: فاعتنقه فقبَّل بطنه، فقال صلى الله عليه وسلم: « » قال: يا رسول الله! حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك: أن يمسَّ جلدي جلدك! فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير. (أخرجه ابن إسحاق في السيرة وأبو نعيم في معرفة الصحابة، انظر: السلسلة الصحيحة [6ـ 2/808] [2835]).
هل تكفيك هذه؟! أحسبها كافية، ولكن خذ هذه أيضًا:
فعن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال: بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاحٌ، بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود: فقال: أصبرني -يعني؛ مكني من أن آخذ لنفسي وأستوفي حقي بالقصاص منك، وذلك بأن أطعنك في خاصرتك كما طعنتني- فقال: « ».قال: إن عليك قميصًا، وليس عليَّ قميص. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه، وجعل يقبل كشحه. قال: إنما أردت هذا يا رسول الله. (صحيح سنن أبي داود [3/981] [4352]).
وهل تكفيك هذه أيضاً؟! فخذ هذه الثالثة:
عن عبد الله بن أبي بكر عن رجل من العرب، قال: زحمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت على رِجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفحني بسوط في يده، وقال: « ».
قال: فبتّ لنفسي لائمًا، أقول: أوجعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم! فبت بليلة كما يعلم الله، فلما أصبحنا إذا رجل يقول: أين فلان؟ قال: قلت: هذا والله الذي كان مني بالأمس. قال: فانطلقت وأنا متخوف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه الدارمي، انظر السلسلة الصحيحة [7ـ1 /93] [3043]).
فهل بعد هذا سترفع عن قلبك رداء الكبر والتعالي، لتمكِّن من أخطأت عليهم من نفسك، لتسلم من المقاصَّة يوم القيامة عندما تقتص الشاة الجلحاء من القرناء، أم سيتمادى بك الحال فيما يسؤوك أن تراه في عاقبة المآل؟!
أم أن الناس كلهم مجرمين مخطئين، وأنت البريء الوحيد؟!