هل الأمر فعلًا كان يستحق أن يفرح؟!
بيت خيم عليه حزن شديد، بينما كان البيت الآخر يمتلئ بالفرحة الجارفة التي زادت وتعالى منسوبها وفاض على المنطقة المحيطة، حتى ليظن السامع أن قاطني هذا البيت الفرح قد بُشِّروا بأن ولدهم قد صار ملكًا..
رغم صغر سني في ذلك الحين إلا أنني أتذكر جيدًا ذلك اليوم منذ ما يزيد عن عشرين سنة..
كان اليوم السنوي المشهود الذي تظهر فيه نتيجة الثانوية العامة.
في هذا اليوم الشهير تجد كثيرًا من البيوت المصرية في حالة من الطوارئ، لن تلبث إلا وتتبعها ردود أفعال متباينة جدًا.
أتذكر ردَّي فعل متناقضين للغاية حدثا لدى بيتين من بيوت عائلتنا..
بيت خيم عليه حزن شديد، بينما كان البيت الآخر يمتلئ بالفرحة الجارفة التي زادت وتعالى منسوبها وفاض على المنطقة المحيطة، حتى ليظن السامع أن قاطني هذا البيت الفرح قد بُشِّروا بأن ولدهم قد صار ملكًا أو أميرًا وليس فقط نجح في الثانوية العامة!
ربما هو من أوائل الجمهورية مثلًا..
بل لعله الأول فهذه الفرحة الهادرة لا يناسبها في المنطق المعاصر إلا مثل ذلك!
ماذا؟
ما الذي تقوله؟
هذه ليست سنته الأولى؟
هل هو يعيد السنة؟
لعله يعيدها تحسينًا لنتيجته وابتغاء مجموع أكبر، ولعله قد ناله أخيرًا وهذا يفسر تلك الفرحة!
ما تقول؟
أهو يعيد السنة رسوبًا؟!
فلعله خير إذا وها هو قد تفوق!
لا.
مستحيل!
قل كلامًا غير ذلك..
كل هذه الفرحة و(الزفة) الصاخبة التي تملأ الشارع لأجل 50%
لحظة إنها ليست فقط خمسين
إنها خمسون وربع
هناك ربع درجة تفصل بين المجموع وبين بلوغ المنتصف تمامًا
في مكان آخر قريب على سطح نفس الكوكب كانت المحزنة قائمة والبكاء لا ينقطع..
لقد حصلت الفتاة على 87%
لن تلحق إلا كلية الهندسة فلا طب ولا صيدلة إذًا
يا للحسرة.. يا للمصيبة!
هي فعلًا كانت حسرة ومصيبة بالنسبة لطموحها وأهدافها وما تراه من إمكانياتها.
لكن هل هناك ثمة مبالغة في رد فعلها؟
ربما
الأمر نسبي كما سبق وقلت..
لكن المذهل حقًا هو ذلك الفارق بين فرحة صاحب الخمسين وحزن الباشمهندسة صاحبة الثمانين.
إنه الفارق بين من يقيس معايير الحزن والفرح بمقاييس الطموح والأهداف الكبرى وبين من لا يفعل.
هو فقط يفرح
أو عاوز يفرح
لعله يقرأ كلامي ويبتسم متذكرًا تلك اللحظات، ولعله أدرك بعد نضجه -كما أخبرني بعد ذلك- أنها لم تكن يومئذ مجرد فرحة..
بل لقد كانت رغبة
رغبة في الفرحة
هو كان فعلًا عاوز يفرح
ليس مهما حقيقة تلك #الفرحة ولا معايير استحقاقها ومآلاتها.
المهم إنه يفرح
لأنه عاوز يفرح
أو إن شئت فقل: إنه كان (بيتلصم) عشان يفرح.
فليفرح إذًا بغض النظر عن ذلك السؤال الذي قد ينغص تلك الرغبة الجارفة.
هل الأمر فعلًا كان يستحق أن يفرح؟!
ولهذه الدرجة؟!
- التصنيف: