فضيحة الخونة في مذبحة غزة
ممدوح إسماعيل
الحقيقة أن المشهد العربي ينطق بالخزي؛ فالحكومات العربية بعد العدوان
بعضها التزم الصمت، والآخر تظاهر بالانفعال، والبعض أشارت الصحف
والمعلومات والأخبار إلى مشاركته في العدوان وعلمه المسبق بالمذبحة.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
العدوان الصهيوني الآن على غزة ليس حربًا، إنما هو مجزرة ومذبحة؛ لأنها بين طرف يملك كل السلاح وطرف لا يملك إلا حقه وإيمانه بعدالة قضيته ويواجه الموت بصدر مكشوف.
ويوم السبت 27 ديسمبر قام العدو الصهيوني بغارات متوالية على مدينة غزة بواسطة 100 طائرة مقاتلة صهيونية ألقت أكثر من مائة طن من القنابل على مدينة غزة الصغيرة، ونفذت أكثر من 200 غارة، فدمرت البيوت والمساجد والمباني، وقُتِل من فيها من الأطفال والرجال والنساء في مشهد دموي يعيد للتاريخ مذابح اليهود في دير ياسين، وكفر قاسم، وصبرا وشاتيلا، وغيرها لأنهم يقولون ربنا الله!!!
وعقب العدوان فاحت رائحة الخيانة من بعض الدول العربية، التي لا تستحي، فقد سبق العدوان لقاء شهير بين وزيرة الخارجية الصهيونية ومسئولين عرب، ونشرت الصحف بعد العدوان خبرًا كان فاجعًا للشعوب العربية والإسلامية، وقد ورد في الخبر أن الوزيرة الصهيونية أخبرت دولًا عربية وغربية بقرار العدوان.
وبعد العدوان لم ينفي أحد هذا الخبر، وكان لافتًا في هذا السياق تصريح من ينتمون لسلطة الضفة أن صواريخ المقاومة هي التي تتحمل العدوان، كأنهم يقولون أن الضحية هي الجلاد؟!
أي قلب للحقائق، وخيانة للشعب الفلسطيني ما يحدث؟!
إن ما حدث يوم السبت 27 ديسمبر في غزة يعيد للأذهان ما حدث من خيانة عام 48م، لقد مر ستون عامًا على الخيانة التي وقعت من بعض العرب تجاه فلسطين، وها هي الأحداث تعود بالخيانة إلى غزة، فعندما نُقلِّب صفحات التاريخ؛ نجد صفحات سوداء لخيانة فلسطين.
على سبيل المثال فقد نشرت جريدة أخبار اليوم المصرية بتاريخ 18/3/1950م خمس وثائق خطيرة بخط ملك الأردن وبخط كبار رجال حكومة الاحتلال "الإسرائيلية" تثبت أن الملك كان على اتصال باليهود طيلة مدة حرب فلسطين وبعدها، ودلت تلك الوثائق على اتصال الملك ـ الذي كان قائدًا أعلى للجيوش العربية ـ واعترافه بـ"إسرائيل"، في الوقت الذي كان يُقتل فيه الآلاف من أبناء العرب المسلمين برصاص اليهود، وتضمنت خيانته تسليم مناطق كثيرة في فلسطين لليهود، والتعهد بوقف الحرب ومنع الجبهات الأخرى من القتال كالجبهة العراقية، وتعهد لليهود بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب.
وليس عجيبًا أو غريبًا أن تمضي السنوات، وتذيع إحدى القنوات الفضائية مشاهد لحاكم عربي وهو يهبط في مطار "بن جوردن" قبل حرب 1973م بساعات ليبلغ جولدا مائير بقرار الحرب ضد "إسرائيل"، وتمضي قضية فلسطين بأحداث واتهامات بالخيانة متعددة.
وما حدث من لقاء بين مسئول صهيوني وعربي يعقبه عدوان حدث عام 1980م، عندما التقى الصهيوني "بيجين" بالرئيس المصري "السادات"، وأعقبه تدمير الصهاينة للمفاعل النووي العراقي.
واللافت أن العدوان الهمجي على غزة سبقه حصار امتد لشهور، شاركت فيه بعض الدول العربية، ومُنِع فيه الطعام والكهرباء والدواء عن غزة عقابًا لها على حريتها وكرامتها.
الحقيقة أن المشهد العربي ينطق بالخزي؛ فالحكومات العربية بعد العدوان بعضها التزم الصمت، والآخر تظاهر بالانفعال، والبعض أشارت الصحف والمعلومات والأخبار إلى مشاركته في العدوان وعلمه المسبق بالمذبحة.
البعض يفسر موقف العرب بتواطئهم مع الصهاينة بسبب عصيان حماس على الإغراء السياسي والمادي، ورفضهم السير في موكب الاستسلام العربي.
لذلك ليس غريبًا أن وزراء الخارجية العرب قرروا الاجتماع يوم الأربعاء 31 ديسمبر، كأنهم ينتظرون أن ينتهي الصهاينة من هدم وتدمير غزة على من فيها والتمكن من توغل يفوزون به بموقع استراتيجي في غزة، ثم يبحثون بعد ذلك في كيفية التفاوض لوقف العدوان.
وحتى مع الإعلان عن عقد مؤتمر للقمة، فهم يختلفون ومختلفون حتى يمر الوقت، ويتمكن اليهود من تحقيق خطتهم في غزة.
وهذه المؤتمرات أو المؤامرات ثبت فشلها منذ ستين عامًا، حيث لم يجدي مطلقًا مع اليهود الصهاينة شجب ولا إدانة ولا مؤتمرات قمة ولا بيانات صاخبة تحاول أن تظهر بأي موقف إعلامي لا يسمن ولا بغني من جوع.
الحقيقة أن المشاهد التي بثتها الفضائيات للمجزرة مؤلمة ومحزنة، ولكنَّنا يقينًا نقول لكل المسلمين في غزة وفي العالم الإسلامي: "لا تهنوا ولا تحزنوا؛ فنحن المسلمون نفخر بالشهداء، فهم أحياء عند ربهم يرزقون".
ونهتف بكل أهل غزة: "أن الله معكم، فالثبات الثبات، الصمود الصمود".
أما المجاهدين من حماس والجهاد وكل فصائل المقاومة: "اتحدوا واعتصموا بحبل الله ينصركم الله".
والخونة نقول لهم: "أن التاريخ لن يرحمكم، والشعوب لن ترحمكم، والله سوف يحاسبكم".
وما حدث خير؛ فقد تميزت الصفوف أكثر وعُرِف المخلصون من المنافقين.
وأخيرًا، ما حدث في غزة هو درس لجميع الشعوب والحكام أن اليهود الصهاينة المحتلين لا أمان لهم، ولا عهد لهم، فهم كما جاء في القرآن "قتلة الأنبياء"، ولا حل للقضية الفلسطينية إلا بالمقاومة، ولا حل للأنظمة العربية إلا أن تعود إلى حكم ربها وتتقوى بتحالفها مع شعوبها لا أن تنعزل عنهم بالظلم والاستبداد.
ويبقى أن الحقيقة تترسخ في كل يوم أن فلسطين لن تتحرر إلا بالمقاومة والجهاد وبذل الدماء لتحرير الأقصى والقدس واسترداد حقنا المسلوب من اليهود الغاصبين.
المصدر: طريق الإسلام