بيع المسلم فيه من بائعه

منذ 2015-08-12

بيعُ المُسْلَمِ فيهِ من بائعِه المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع

بيعُ المُسْلَمِ فيهِ من بائعِه
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع

قوله: "وإن جاءه بدون ما وَصف، أو بغير نوعه من جنسه فله أخذه، ولا يلزمه، وإن جاء بجنسٍ آخر لم يجز له قَبوله" [1].

قال في (المغني): "وأما بيع المُسْلَمِ فيه من بائعه، فهو: أن يأخذ غير ما أَسَلَم فيه عِوضًا عن المُسْلَم فيه، فهذا حرام، سواء كان المُسْلَم فيه موجودًا أو معدومًا، سواء كان العوض مثل المُسْلَم فيه في القيمة أو أقل أو أكثر، وبهذا قال أبو حنيفة[2] والشافعي[3].

وذكر ابن أبي موسى عن أحمد[4] رواية أخرى في من أسلم في بُرٍّ فعدمه عند المحل فرضي المُسْلم بأخذ الشعير مكان البُرِّ جاز ولم يجز أكثر من ذلك، وهذا يُحمل على الرواية التي فيها: أن البُرَّ والشعير جنسٌ واحد.

والصحيح في المذهب[5] خلافه.

وقال مالك[6]: يجوز أن يأخذ غير المُسْلَم فيه مكانه، يتعجله ولا يؤخره إلا الطعام.

قال ابن المنذر [7]: وقد ثبت أن ابن عباس قال: إذا أسلم في شيءٍ إلى أجلٍ، فإن أخذت ما أَسْلَفت فيه، وإلا فخُذ عِوضًا أنقص منه، ولا تربح مرتين، رواه سعيد في (سننه)[8].

ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسلم في شيء فلا يَصْرِفه إلى غيره»، رواه أبو داود وابن ماجه[9]، ولأن أخذ العِوض عن المُسْلَم فيه بيع فلم يجز كبيعه من غيره، فأما إن أعطاه من جنسِ من أسلف فيه خيرًا منه، أو دونه في الصفات جاز؛ لأن ذلك ليس ببيع، إنما هو قضاء للحق مع تفضل من أحدهما"[10].

وقال في (الفروع): "وله أخذ نوعٍ آخر من جنسهِ، كدون شرطه من نوعه، وقال القاضي وغيره: يلزمه.

وعنه[11]: يحرم كغير جنسه، نَقَله الجماعة[12].

ونقل فيه جماعة: يأخذ أدنى، كشعيرٍ عن بُرٍّ بقدر كيلِهِ، ولا يربح مرتين، واحتجَّ بابن عباس، وبأنه أقل من حقِّه"[13].

وقال الشوكاني في (الدراري المضية): "وأما كونه لا يأخذ إلا ما سماه، أو رأس ماله؛ فلحديث ابن عمر عند الدارقطني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أسْلَف شيئًا فلا يشترط على صاحبه غير قضائه»[14]، وفي لفظ: «من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله»[15]"[16].

قال الحافظ: "وإسناده ضعيف"[17].

قال الشوكاني: "وأما كونه لا يتصرف فيه قبل قبضه؛ فلما أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أسْلَم في شيء فلا يصرفه إلى غيره»[18]، وفي إسناده عطية بن سعيد العوفي، وفيه مقال.

والمعنى: أنه لا يحل جعل[19] المُسْلَم فيه ثمنًا لشيءٍ قبل قبضه، ولا يجوز بيعه قبل قَبْضِه، وقد اختلف أهل العلم في ذلك"[20].

وقال ابن رشد: "اختلف العلماء في بيع المُسْلَم فيه إذا حان الأجل من المُسْلَم إليه قبل قبضه، فمن العلماء مَن لم يُجز ذلك أصلاً، وهم القائلون: بأن كل شيء لا يجوز بيعه قبل قبضه، وبه قال أبو حنيفة[21] وأحمد[22] وإسحاق، وتمسك أحمد وإسحاق في منع هذا بحديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره».

وأما مالك[23] فإنه منع شراء المُسْلَم فيه قبل قبضه في موضعين:

أحدهما: إذا كان المسلم فيه طعامًا، وذلك بناءً على مذهبه في أن الذي يشترط في بيعه القبض هو الطعام على ما جاء عليه النص في الحديث.

والثاني: إذا لم يكن المُسْلَم فيه طعامًا فأخذ عوضه المُسْلَم ما لا يجوز أن يُسلِم فيه رأس ماله، مثل أن يكون المُسْلَم فيه عَرَضًا والثمن عَرَضًا مخالفًا له فيأخذ المُسْلم من المُسْلَم إليه إذا حان الأجل شيئًا من جنسِ ذلك العَرَض الذي هو الثمن، وذلك أن هذا يدخله إما سلف وزيادة إن كان العَرَض المأخوذ أكثر من رأس مال السَّلَم، وإما ضمان وسلف إن كان مثله أو أقل.

وكذلك إن كان رأس مال السَّلَم طعامًا لم يجز أن يأخذ فيه طعامًا آخر أكثر منه، لا من جنسه ولا من غير جنسه، فإن كان مثل طعامه في الجنس والكيل والصفة فيما حكاه عبدالوهاب جاز؛ لأنه يحمله على العُرُوض.

وكذلك يجوز عنده أن يأخذ عن الطعام المُسْلَم فيه طعامًا من صفته وإن كان أقل جودة؛ لأنه عنده من باب البدل في الدنانير والإحسان، مثل أن يكون له عليه قمح فيأخذ بمكيله شعيرًا، وهذا كله من شرطه عند مالك[24] ألاّ يتأخر القبض؛ لأنه يدخله الدين بالدين.

وإن كان رأس مال السَّلَم عينًا، وأخذ المُسلَم فيه عينًا من جنسه جاز ما لم يكن أكثر منه، ولم يتهمه على بيع العين بالعين نسيئة إذا كان مثله أو أقل، وإن أخذ دراهم في دنانير لم يتهمه على الصرف المتأخر، وذلك إن أخذ فيه دنانير من غير صنف الدنانير التي هي رأس مال السَّلَم.

وأما بيع السَّلَم من غير المُسلَم إليه فيجوز بكل شيء يجوز به التبايع، ما لم يكن طعامًا؛ لأنه يدخله[25] بيع الطعام قبل قبضه"[26].

وقال في (الاختيارات): "ويجوز بيع الدين في الذمة من الغريم، ولا فرق بين دين السَّلَم وغيره، وهو رواية عن أحمد[27]، وقاله ابن عباس لكن بقدر القيمة فقط؛ لئلا يربح فيما لم يضمن"[28] انتهى.


قلت: إذا أعطاه المُسْلَم إليه شعيرًا أو ذرة عن بُرٍّ جاز إن شاء الله؛ لأنه أخذ الأدنى عن الأعلى، ويمر من باب البدل والإرفاق والإحسان، لا من باب الربا والغَرَر والعدوان، والله أعلم.

 

فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
__________________________________
[1]- الروض المربع ص: [266].

[2]- فتح القدير: [5/345]، وحاشية ابن عابدين: [5/231-232].

[3]- تحفة المحتاج [5/ 30- 31]، ونهاية المحتاج: [4/214].

[4]- الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير: [12/295].

[5]- شرح منتهى الإرادات: [3/315]، وكشاف القناع: [8/119].

[6]- الشرح الصغير: [2/102]، وحاشية الدسوقي: [3/220].

[7]- الإشراف: [6/114-3600].

[8]- أخرجه ابن حزم في المحلى: [9/4-5]، من طريق سعيد بن منصور، نا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به. وأخرجه عبد الرزاق: [8/16-17-14120]، عن ابن عيينة، به.

[9]- أبو داود: [3468]، وابن ماجه: [2283]، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال ابن حجر في التلخيص الحبير: [3/25-1203]: فيه عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف، وأعلَّه أبو حاتم والبيهقي وعبدالحق وابن القطان بالضعف والاضطراب.

[10]- المغني: [6/416-417].

[11]- الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير: [12/250].

[12]- كذا في الأصل، وفي الفروع: نقله جماعة.

[13]- الفروع: [4/179].

[14]- الدارقطني: [3/46]. قال الألباني في الإرواء: [5/223-1385]: أخرجه الدارقطني وابن عدي في الكامل: [6/92]- من طريق لوذان بن سليمان، نا هشام بن عروة، عن نافع، عنه. وقال ابن عدي: لوذان بن سليمان مجهول، وما رواه مناكير لا يتابع عليه. وقد رواه مالك: [2/682] عن نافع به موقوفًا على ابن عمر. قلت: وهو الصواب، وقد رواه البيهقي: [5/350]، عن مالك وقال: وقد رفعه بعض الضعفاء عن نافع، وليس بشيء.

[15]- الدارقطني: [3/45]، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أسلم في شيء فلا يصرفه في غيره». وقال إبراهيم بن سعيد (أحد رواته): فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه، أو رأس ماله. وانظر: إرواء الغليل: [5/223]، وقد تقدم الكلام عليه في الصفحة السابقة.

[16]- الدراري المضية شرح الدرر البهية: [2/268].

[17]- التلخيص الحبير: [3/25-1203]، وفتح الباري: [4/434].

[18]- أبو داود: [3468]، وقد تقدم تخريجه: [5/13].

[19]- في الأصل: حول، والمثبت من بداية المجتهد.

[20]- الدراري المضية شرح الدرر البهية: [2/269].

[21]- فتح القدير: [5/345]، وحاشية ابن عابدين: [5/231-232].

[22]- شرح منتهى الإرادات: [3/315]، وكشاف القناع: [8/118].

[23]- الشرح الصغير: [2/102]، وحاشية الدسوقي: [3/220].

[24]- الشرح الصغير: [2/102-103]، وحاشية الدسوقي: [3/220-221].

[25]- كذا في الأصل، وفي بداية المجتهد: لا يدخله.

[26]- بداية المجتهد: [2/190-191].

[27]- الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير: [12/295-296].

[28]- الاختيارات الفقهية؛ ص: [131].

  • 0
  • 0
  • 3,379

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً