لماذا لم يقل "فلا يتكلم بِشَر"؟

منذ 2015-08-17

الأمر النبوي المشهور الذي يكاد أن يكون مُهملا من المسلمين: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (متفق عليه)، يستحق التأمل، لأنه قد يلتبس على الأفهام عدم قوله صلى الله عليه وسلم نفس المعنى على هذه الهيئة: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتكلم بِشَر".

الأمر النبوي المشهور الذي يكاد أن يكون مُهملا من المسلمين: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (متفق عليه)، يستحق التأمل، لأنه قد يلتبس على الأفهام عدم قوله صلى الله عليه وسلم نفس المعنى على هذه الهيئة: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتكلم بِشَر".
بحيث تكون أكثر اختصارا وبالتالي أكثر بلاغة لأنه من البلاغة أن تذكر نفس المعنى بتعبير أقصر.

السؤال هنا: هل فعلا التعبيران متكافئان في المعنى؟!

دعونا نقسم الكلام الى ثلاثة اقسام:

  1. كلام خير
  2. كلام شر
  3. كلام لغو؛ أي: لا هو خير ولا شر
  4. صمت

لكن الكلام لا يُقال إلا في موقف، فدعونا نقسم المواقف إلى قسمين:

  1. موقف يستدعي كلام خير، مثال: أن يُذكر أحد الناس بما هو ظلم له، فلابد لك من أن تبين الحقيقة
  2. موقف لا يستدعي كلام خير.

حسنا، لِنرَ على ضوء هذا التقسيم هل معنى التعبيرين المذكورين متكافئان؟

أ- التعبير "فلا يتكلم بشر" له حالتان:

1- إن كنت في موقف يحتاج منك كلام خير: في هذه الحالة؛ فأنت مخير بين ثلاث:

  • أن تقول كلام خير
  • أن تلغو (تخاذل وسلبية)
  • أن تصمت (تخاذل وسلبية)

2- إن كنت في موقف لا يحتاج ان تتكلم بخير: فأنت مخير بين ثلاث:

  • أن تتكلم بخير
  • أن تلغو
  • أن تصمت

هل لاحظتم شيئا؟
أن الموقف (1) متكافئ مع الموقف (2) في الخيارات المُتاحة، المهم ألا تقول شرا بغض النظر عن الموقف.

ب- التعبير:«فليقل خيرا او ليصمت»:

  1. إن كنت في موقف يحتاج منك أن تتكلم بخير، فأنت لست مخيرا، بل لابد لك من أن تتكلم بالخير الذي يتطلبه الموقف.
  2. إن كنت في موقف لا يحتاج أن تتكلم بخير، فأنت لست مخيرا، بل لابد لك من أن تصمت

بالطبع واضح جدا أن الموقف (1) غير متكافئ مطلقا مع الموقف (2) في الخيارات المُتاحة.

الاستنتاج:

أن التعبيرين غير متاكفئي المعنى بل التعبير «فليقل خيرًا او ليصمت» فيه ما يتفوق خُلقِيا وشرعيا عن التعبير "فلا يتكلم بشر"، وذلك في شيئين:

  1. أن اللغو غير مطروح: ({وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3]): ذلك أن اللغو غالبا يُفضي إلى التكلم بشر، فمن كثر كلامه كثر خطؤه، هذا غير أنه مضيعة للوقت عن الفِكر والتَفكر وعن الذكر والتذكر.
  2. أن السلبية غير مطروحة: فأنت لابد لك -لاحِظ الأمر: فليقل- من التكلم بخير في الموقف الذي يتطلب منك أن تتكلم بخير وألا تكون متخاذلا وبالتالي آثما شرعا.

وبهذا نعلم أن التعبير النبوي هو أبلغ وأكمل شرعا من التعبير البديل الذي قد يُتَوَهَم أنه أبلغ. والله اعلم.

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 9
  • 0
  • 2,586

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً